ميلودراما عراقيَّة هجينة

منصة 2023/04/30
...

  رضا المحمداوي   

       

بعد انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني لدينا هذا العام بما حفل به من انتاجات درامية متعددة ومتنوعة قدمتها مجموعة من القنوات الفضائية التي عرِفت بإنتاجها الدرامي، يمكن الإشارة عموماً وبنظرة نقدية موضوعية عامة إلى أن حراكاً درامياً جديداً بدأ يؤسس لمساره في الوسط الفني العراقي مع الأخذ بنظر الاعتبار موضوع الاختلاف والتباين والتفاوت في المستوى الفني للأعمال المنتجة، وربما بتوالي هذه النتاجات الدرامية واستمرار إنتاجها تستطيع الدراما العراقية أن تترك بصمتها المتميزة رغم ما تعانيه من مشكلة 

التسويق المزمنة وعدم حضورها في الأسواق الدرامية والقنوات التلفزيونية العربية.

   

وكظاهرة فنية ملازمة أو مرافقة لهذا الحراك الدرامي الجديد نجد غياب البيئة أو الملامح أو الهوية العراقية الخالصة بطابعها الاجتماعي وخصوصيتها الشعبية رغم الغزارة الإنتاجية الملحوظة التي وجدناها في هذا الموسم وتعدد القنوات المنتجة للأعمال الدرامية.

ومن جانب آخر يمكن تشخيص ظاهرة تبدو فيها الدراما العراقية قاصرة، ولمْ تبلغْ سن الرشد وعمر النضج بل تبدو أحياناً مشلولة ولا تقوم لها قائمة ما لمْ تتعكز أو تتوكأ على الآخرين حيث ما زالت ظاهرة الإستعانة بالطاقات والقدرات والعناوين والاختصاصات الفنية العربية قائمة وحاضرة في إنتاج الأعمال العراقية وتشمل هذه الطاقات جميع عناصر إنتاج العمل الدرامي بدءاً من النص العراقي الذي باتَ يكتبهُ الكاتب المصري أو اللبناني في حين يقوم المخرج الأردني أو السوري أو المصري أو اللبناني بإخراج تلك الأعمال العراقية!! في حين يعاني المخرجون العراقيون الجالسون على مصطبة الاحتياط  من البطالة والعطالة الإخراجية المزمنة، وأحسبُ أن مثل هذا الشلل والتعكز الفني لا يليق بالدراما العراقية وتاريخها العريق.

كما أنَّ الناتج النهائي لمثل هذه الأعمال غالباً ما يكون ناتجاً درامياً هجيناً ونمطاً مشوهاً لا يحمل معه سمات وخصائص العمل الفني العراقي الأصيل ولنأخذ نماذج من هذه الهجنة والخلطة الدرامية غير المتجانسة وأول هذه النماذج مسلسل (إنتقام روح) للمؤلف المصري: أحمد عبد الفتاح عثمان ومن تمثيل عادل عباس وآسيا كمال وعلي الشجيري وسولاف جليل، فكيف تسنى لهذا المؤلف المصري أن يكتب عملاً درامياً عراقياً وما هي المعالجات الدرامية والفنية والطرق التي سلكها هذا المؤلف المصري لكتابة نص عراقي، وبالتأكيد أن جهوداً قد بذلتْ وأعمالا قد جرتْ خلف الكواليس ليظهر اسم هذا المؤلف على عمل دامي يوصف بأنّه عراقي، وما زاد الطين بِلَّة أن من قام بإخراج المسلسل هو المخرج المصري: إبراهيم فخر الذي استعان بدوره بمجموعة من الممثلين اللبنانيين لتأدية بعض الأدوار الرئيسة في المسلسل فضلاً عن العديد من العناوين والاختصاصات الفنية المصرية واللبنانية التي دخلتْ في صناعة هذا المسلسل، وبذلك اكتملتْ هذه الخلطة الهجينة.

وما يؤسف له حقاً أنَّ التعامل الفني والنقدي مع هذه الظاهرة وما تنتجهُ من أعمال هجينة على أنها واقع حال وأمر عادي جداً في وسطنا الدرامي العراقي من دون أنْ نتوقف عندها ومعاينتها نقدياً وتقييمها فنياً وإظهار ما تتضمنه من عيوب وثغرات وما تنطوي من استسهال في تقديم العمل الدرامي العراقي. 

فضلاً عما تنطوي عليه عملية إنتاج هذه الأعمال من تغييب وتجاهل متعمد وإهمال مقصود لمجموعة كبيرة من المخرجين العراقيين ومعهم مجاميع من الفنيين بمختلف الاختصاصات والعناوين الفنية الداخلة في صناعة الدراما والذين وجدوا أنفسهم غير مرغوب فيهم إخراجياً وفنياً رغم ما يمتلكونه من خبرة وتجربة فنية اكتسبوها عبر سنوات طويلة.  والأنموذج الدرامي الآخر يمثلهُ مسلسل (المتمرد) من بطولة: علي ليو وهند نزار، وهو من تأليف الكاتبة اللبنانية: ندى عماد خليل وإخراج السوري يزن أبو حمدة. ولنتصور أن هذا الثنائي اللبناني- السوري على صعيد التأليف والإخراج كيف يمكن أن يقدم عملاً درامياً بهوية عراقية خالصة، وللتذكير فإن المؤلفة (ندى..) سبق لها أن قدمتْ للدراما العراقية مسلسل (أم بديلة) ومسلسل (بنات صالح)

وكصفة فنية غالبة على مثل هذه الأعمال فإن الطابع الميلودرامي هو الطاغي على معالجة هذه الأعمال وخاصةً المبالغة في الأحداث والتهافت والضعف في البناء الدرامي والنمطية الجامدة في رسم ملامح الشخصيات الدرامية واستجداء عواطف الجمهور وإثارة مشاعره ولا سيّما لدى تناول الموضوعات الاجتماعية والدراما العائلية التي غالباً ما تخوض بها الأعمال الميلودرامية، الأمر الذي يدعوني إلى إطلاق صفة (الميلودرما العراقية) على هذه الأعمال وهي عبارة عن خليط من الميلودراما المصرية بتاريخها الراسخ في ذاكرة الجمهور العام مع الإفادة من الميلودراما التركية القائمة على الإطالة في عدد الحلقات والحشو الدرامي مع الإعادة والتكرار، وقد يصل الأمر بالجمهور أحياناً إلى إطلاق صفة (فيلم هندي)على بعض هذه الأعمال في إشارة إلى بعض ملامح الميلودراما الهندية المعروفة ببكائيتها ومحاولة استدرار دموع المتفرجين ومصادفاتها العجيبة وأحداثها الغريبة.

وما يصحُ على الأعمال الدرامية التي ذكرناها يصحُّ كذلك على عملين دراميين آخرين حظيا بمتابعة جماهيرية وشعبية واسعة وانضما بدوريهما الى قافلة الميلودراما العراقية وهما مسلسل (خان الذهب) بطولة سامي قفطان وأميرة جواد وغسان إسماعيل وهو تأليف محمد حنش وإخراج المخرج اللبناني بهاء خداج وكذلك مسلسل (غيد) لمؤلفه ومخرجه علي فاضل ومن بطولة جمانة كريم وآشتي حديد.

وغالباً ما يجيء النمط الإنتاجي لمثل هذه الأعمال أو القالب الدرامي المبني على ثلاثين حلقة متسلسلة بثلاثين ساعة درامية مترابطة مع بعضها ليكون بيئة درامية صالحة وأرضاً خصبة في مط الأحداث التي تدور في زمن مفتوح لا حدود له ويضيع الإيقاع الحياتي المنضبط.

 وفي ظل ما يتضمنه العمل الميلودرامي من مبالغات درامية ومغالاة عاطفية فإنه يصعب رسم مسار للأحداث ونهايتها ذلك لان الأفق مفتوح على الكثير من التحولات والتغييرات، وقد يفقد العمل الدرامي الطويل توازنه المنطقي ويخرج عن دائرة المعقولية والصدق الفني.