{همس الفيلة}.. فيلم وثائقي متكامل

ثقافة 2023/04/30
...

علي حمود الحسن



شاهدت بمتعة معظم قائمة الأفلام الفائزة بجوائز أوسكار 95، لكن بضعة أفلام ظلت عالقة في ذاكرتي، منها: الفيلم الوثائقي القصير "همس الفيلة"(2022) للمخرجة الهندية كارتيكي جونسالفيس، الذي ينتمي إلى أفلام "الحياة البرية" ويتناول بشاعرية يوميات أسرة تهتم بالفيلة "الممروضة" و "اليتيمة" وتحنو على هذه المخلوقات الحساسة، فتنجح في إنقاذ وتربية فيلين صغيرين وحيدين (ارغو وآمو) متواجدين في محمية نمور مودومالاي الواقعة جنوب الهند. بطلا الفيلم بومان وبيلي في عقدهما الخامس، وهما من السكان الأصليين يعملان في رعاية الفيلة داخل المحمية. 

الفيلم الذي يبلغ زمنه الفيلمي (41) دقيقة، وأسهمت المخرجة في تصويره وإنتاجه وتطوير قصته التي كتبتها بريسيلا غونسالفيس، يكاد أن يكون متكاملاً في لغته السينمائية، وأسلوبه السردي المشوق، فمنذ اللقطات الأولى أدخلتنا المخرجة في أجواء فردوسية من خلال لقطات بانورامية لتفاصيل غابة خلابة، وأخرى قريبة متبادلة لمخلوقات الغابة الجميلة، من وجهة نظر بومان، بوجهه المكدود وشعره الأكرت، وهو يحدثنا عن قبيلته الأصلية "ملوك الغابة" وتوارثهم مهنة رعاية الفيلة، التي يحبونها ويقدسونها، حتى أن بعض أساطيرهم، تلمح إلى أن بوذا كان في طفولته فيلاً، تقتفي الكاميرا أثر بومان في طريقه إلى حظيرة الفيل الصغير ارغو، فيخبرنا - بكونه راوياً - قصة هذا "الدّغَفل" (ابن الفيل)، الذي التقطه حراس المحمية مثخناً بالجراح، بعد أن صعقت أمه أسلاك جدار مكهرب، حينها هرب القطيع وتركوه وحيداً، يعامله بومان ورفيقته بيلي، التي ستصبح زوجته فيما بعد، كطفل لهما فيطعمانه الدخن وجوز الهند المفضل ويحممانه، فضلاً عن وجبة الحليب الدسمة، تقول بيلي : " بمجرد أن مس ارغو ثوبي، أثار مشاعر الأمومة عندي"، فهو يتفهم مشاعرها، إلى حد أنه مسح دمعتها بخرطومه، إثر نوبة بكاء واشتياق لابنتها الراحلة، الفيلة من وجهة نظر بيلي "أقرب إلى البشر" وهذا يفسر سرعة تعافي ارغو وتأقلمه مع أسرته البشرية، بالتزامن مع كل ذلك يجد هذان الكهلان المتفانيان في رعاية صغار الفيلة، أن الوقت مناسب ليعلنا زواجهما، فيزينان ارغو ويلبسانه إكليلاً من الورد ويحتفلان بليلة العمر مع الجيران، فنشهد طقس الزواج وأعراف القبيلة شبه البدائية، ما يعطي الفيلم بعداً أنثروبولوجياً، إذ نتعرف على ثقافة هذه القبائل التي تتماهى مع الطبيعة وتأخذ منها بقدر حاجتها وتمنحها كل ما يحافظ على كنوزها وينميها مثلما تخبرنا بيلي الراوية الثانية لأحداث الفيلم، في قمة سعادتهما ينضم إلى الأسرة آمو الفيل ذو الخمسة أشهر، فتشتعل الغيرة عند ارغو الذي لا يسمح لبيلي بإطعام آمو، تماماً مثلما يفعل الأطفال، ثم يتفاجآ بطلب إدارة المحمية باستعادة ارغو، وفي مشهد مؤثر يتحدث بومان باكياً "لا أستطيع فراقه إنه جزء مني". الفيلم ملهم ودرس بليغ في صناعة الفيلم الوثائقي "المتكامل".