كيف تدور فكرة {الهجرة} في مخيلة العراقي؟

ريبورتاج 2023/05/07
...

   عامر مؤيد 

انخفضت نسبة الطامحين إلى الاستقرار في بلدان خارج العراق وبالأخص الدول الأوروبية منها بشكل كبير، لا سيما مع العوائق التي تزداد يوماً بعد يوم في ما يخص قضية منحهم أوراق البقاء.

أسباب كثيرة أدت إلى تضييق الأفق في وجه الراغبين بالبقاء، إذ اضطر البعض منهم إلى العودة رغم بقائهم لفترة طويلة في الخارج، بينما لا يزال آخرون يقاومون بغية الحصول على أوراق دائمية تضمن لهم جميع الحقوق في العيش مستقبلاً.

تعد السويد من أكثر البلدان التي قصدها العراقيون طيلة السنوات الماضية، لكن وضعها في التعامل مع اللاجئ الآن، تغير عما كان سابقاً بحسب مختصين في شؤون اللاجئين ومتابعة قضاياهم.

حكومة اليمين تنتصر 

تتحدث لـ "الصباح" اذار علك، وهي محامية تملك شركة خاصة بها في مدينة مالمو السويدية عن الظروف القاهرة التي يواجهها العراقيون في الفترة الأخيرة، لمن يرغب في  الحصول على إقامة دائمية تؤهله للحصول على الجواز السويدي لاحقاً، قائلة إن "حكومة اليمين هي السبب". 

تقول علك: إن "القوانين الجديدة التي سُنت بسبب الحكومة اليمينية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، قلصت من القوانين التي تقف بجانب المهاجرين، وأصبح التعامل معهم بشكل قاسٍ جداً".

وعن بعض التغييرات الحاصلة في القوانين، تذكر علك أن "هناك تغييراً بالقوانين أو الشروط الأخرى في ما يخص الحالات الخاصة بالنسبة للأسر والأطفال، وهناك حالات تفريق للأسر حسبت بسبب رفض حق اللجوء للأهل وإعطاء الإقامات للأطفال فقط وبالعكس، وبعيداً عن حق اللجوء من عدمه فإن حالات غير إنسانية تحدث.

هناك عراقيون، أجبروا على العودة القسرية لكن علك ترى "أهمية أن توقع اتفاقية بين الحكومة العراقية والسويدية بتسليم العراقيين الذين يُسفرون قسرياً بشكل نظامي، وألا تتبع أمور خارجة عن الإنسانية في هذا السياق".


شرطية العمل تضمن البقاء

عن كيفية منح الإقامات مؤخراً، تذكر علك  أن "الصعوبة حالياً تكمن في منح الإقامة الدائمية وهي خطوة من خطوات الحكومة اليمينية التي تفرضها حالياً، إذ تمنح الإقامات الدائمة للأشخاص أو الأسر الذين يستطيعون إعالة أنفسهم عن طريق العمل الثابت، لذلك أصبحت الإقامة المؤقتة هي السائدة، فمن لا يملك عملاً يتم منحه الإقامة المؤقتة وهذا يعرقل موضوعة استقراره واندماجه مع المجتمع. 

 من الحالات الغريبة التي رصدتها "علك" أثناء عملها في سلك المحاماة والمرتبطة باللاجئين أن "أماً تم رفض إعطائها الإقامة وتسفيرها، ووضعوا الأطفال عند أسرة راعية وقامت الأم بتقديم اللجوء من دول أوروبية أخرى على أمل الحصول على أوراق رسمية والمشكلة أن الأطفال لا يملكون أباً ولا معيلاً لهم إلى الآن".

في جانب آخر، يوجد أشخاص يرغبون بالعودة رغم حصولهم على الأوراق الأصولية والرسمية بشكل كامل وهذا بسبب الطريقة الحياتية المتبعة في الدول الأوروبية، عن ذلك يتحدث حسين البندر وهو كاتب وشاعر يستقر في ألمانيا، ذاكراً لـ"الصباح" أن "شعور عدم الاستقرار وراء التفكير بالعودة وهذا يأتي من صعوبة الارتباط وأيضاً تكوين أسرة".

الأمر في ألمانيا يختلف عن بقية الدول بحسب البندر، إذ يقول "لا يوجد هناك حديث عن عودة قسرية بالعكس هناك توجه جاد جداً لتوطين اللاجئين ممن لديهم رفض وترحيل، وذلك لحاجة البلد الماسة والمُلّحة جداً للأيدي العاملة.  أعلنت النقابات عن نقص وُصف (بالحاد جداً) في أغلب قطاعات الصناعة الألمانية. من وجهة نظري الشخصية وبعد أكثر من ثماني سنوات في ألمانيا اكتشفت أن موضوع اللاجئين ليس إنسانيًا بالدرجة الأساس وإنما هو موضوع اقتصادي بحت".

وتشير أرقام الحكومة الألمانية إلى أن أعداد العراقيين المقيمين أو طالبي اللجوء في ألمانيا نحو ربع مليون عراقي، محتلين المركز الخامس للاجئين المقيمين في ألمانيا بعد القادمين من سوريا وكوسوفو وألبانيا وصربيا.

يذكر البندر أن "أسباب عودة بعض اللاجئين هي انعدام الحياة الاجتماعية والكآبة في المجتمع مع تنامي العنصرية والكراهية داخل المجتمعات الأوروبية، انتشر شعور عدم الارتياح لدى اللاجئين وازدادت الأوضاع سوءاً بعد أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا".


الهجرة والمهجرين: البلاد تشجع

على العودة 

الأوساط الرسمية ترى أن الأوضاع العراقية الحالية تشجع على العودة إلى أرض الوطن خاصة مع الرؤية الرسمية في أهمية محاربة الفساد وتصحيح الأوضاع. 

وزارة الهجرة والمهجرين وعلى لسان متحدثها علي جهاكير تؤكد  لـ "الصباح" أن  "العراق يشهد نهضة عمرانية وحكومة متجهة لمحاربة الفساد وموازنة لمدة ثلاث سنوات، الموصل رجعت واحتفلت بمهرجان الربيعين، وهذه مؤشرات إلى أن المواطن يعيد حساباته ويعود إلى الوطن".

يضيف جهاكير أن "كل الدول التي يتواجد فيها العراقيون، نحترم سيادتها وقوانينها وضوابطها وبالتالي لا نستطيع فرض أشياء ليست ضمن اختصاصنا كوزارة أو حكومة في ما يخص موضوعة اللاجئين العراقيين".

وأضاف "المشكلة المتبقية في قضية المهاجرين، ممن خرجوا بصورة غير شرعية ونظامية وبالتأكيد لديهم مسألة غير قانونية وربما رُفضت طلباتهم لذلك، كحكومة نحترم قوانينها ونحافظ على علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي كون أكثر المهاجرين صوب دولها"، مبيناً "أهمية ضرورة دمج المهاجرين في المجتمع الذي قصدوه، لا سيما أنهم تحملوا عناء السفر والذهاب، نعم إنهم أخطؤوا ونسعى أن نجد حلاً لهم أو طريقة".

وفي لغة الأرقام، يؤكد جهاكير أن الأرقام الخاصة بالعائدين إلى العراق غير موجودة ويضيف "لا أرقام لدينا عن عودة بعض المهاجرين، لأن الخارجين من أرض الوطن تختلف قضاياهم، أما بفيزا رسمية من أجل السياحة أو لاجئين أو بطريقة غير رسمية لذلك من الصعوبة إحصاؤهم". 

كثيرة هي الحالات التي عالجتها الجهات المعنية في ما يخص المهاجرين الذين تصعب عليهم حالات الوصول إلى أوروبا أثناء محاولات العبور أو خلال القبض عليهم أثناء التسلل من دولة إلى أخرى. 

في بداية العام الماضي، التقى وزير الخارجيَّة فؤاد حسين، على هامش زيارته إلى بروكسل، المفوضة الأوروبيّة للشؤون الداخليّة والهجرة يلفا جوهانسون، وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائيَّة بين جمهوريّة العراق والاتحاد الأوروبيّ وسُبل تعزيزها، لا سيما موضوع إعادة العراقيين العالقين على حدود الاتحاد الأوروبيّ بصورة طوعيّة.

 و استعرض الوزير جهود الحكومة العراقيَّة في التعامل مع مسألة الهجرة، والإجراءات التي اتخذتها من أجل إعادة العراقيين العالقين على حدود عدد من دول الاتحاد الأوروبيّ مثل بيلاروسيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، حيث تمكن العراق من إعادة حوالي 4000 مواطن عراقي بواسطة 10 رحلات خاصة نظمتها الخطوط الجوية العراقيَّة، مؤكداً  أهمية استمرار حوار الهجرة القائم مع الجانب الأوروبيّ، ودعم برامج تشجيع العودة الطوعيّة للاجئين العراقيين في الدول الأوروبيّة من خلال إعداد برامج خاصة لتأهيل هذه الشريحة.

كما قدم الوزير حينها إيجازاً بما قامت به الحكومة العراقيَّة من خطوات لمكافحة شبكات التهريب وتكاتف الجهات الوطنية لزيادة الوعيّ المجتمعيّ وتوضيح مساوئ الهجرة وعواقبها.