{تشاغاس}.. مرضٌ قاتلٌ يفتك بشعوب أميركا اللاتينيَّة

بانوراما 2023/05/07
...

 ساره جونسون

 ترجمة: بهاء سلمان

كانت أول مرة سمعت بها ألفيرا هيرنانديز عن داء "تشاغاس" حينما ظهرت نتيجة الفحص لابنتها البالغة آنذاك 18 عاما ايجابية.

وكانت ابنة ألفيرا، واسمها "إيداليا"، قد تبرّعت بدمها داخل بلدتها القريبة من مدينة فيراكروز في خليج المكسيك. وحينما فحصت عيّنتها، تم اخبارها بأنها حاملة للمرض المداري المهمل. تقول الأم متذكّرة: "لم أسمع مطلقا بتشاغاس، بالتالي بدأت بالبحث عنه في شبكة الانترنت. كنت مذعورة حينما قرأت وصفا للمرض بأنه قاتل صامت، ولم أعرف ماذا أفعل وإلى أين أذهب."

تعد إيدالا واحدة من نحو سبعة ملايين فرد حول العالم مصابين بالطفيلي "ترايبانوسوما كروزي"، المسبب لهذا المرض القاتل.

وينتقل تشاغاس عادة من خلال التلامس مع غائط حشرات ماصة للدم، معروفة بمسمى "بق التقبيل"، التي تكون مصابة بالطفيلي.

وتعيش هذه الحشرات داخل جدران المنازل رديئة التشييد ضمن المناطق الريفية، أو ضواحي المدن.

وتعض الحشرة الجلد، وتطرح فضلاتها مباشرة ليدخل الطفيلي إلى الجسم حينما يمسح المصاب مكان العضة لتنتقل الفضلات إلى عينه أو فمه لا إراديا.

قد تمر نحو عشر سنوات قبل أن تتطوّر أعراض المرض، بالتالي فغالبية الناس غير مدركين لأصابتهم بتشاغاس، الذي يطلق عليه "المرض الخامل والصامت". البعض لا تظهر عليه أية أعراض مطلقا، لكن هناك نسبة تصل إلى الثلث تعاني من تلف القلب، ومن ثم قصور القلب التدريجي أو الموت المفاجئ. وربما يحصل للبعض الآخر تضخّم غير طبيعي للقولون أو لقصبة المريء، وتصل نسبتهم إلى عشرة بالمئة من المرضى.

ويموت 12 ألف فرد سنويا جراء تشاغاس، وهو يقتل المرضى في أميركا اللاتينية أكثر من أي مرض تسببه الطفيليات، وبضمنها الملاريا. وتمت تسمية المرض نسبة إلى الطبيب والباحث البرازيلي "كارلوس ريبييرو تشاغاس" الذي اكتشفه سنة 1909. وهذا المرض مستوطن في 21 بلدا لاتينيا، ويمتد إلى أميركا الشمالية وأوروبا واليابان واستراليا بنسبة أقل. وتم إدراج المرض ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية للأمراض المدارية المهملة، حيث هدف القضاء عليه حدد بحلول سنة 2030.

ولا يزال "تشاغاس" مرض غير معروف نسبيا بين أوساط الرعاية الصحية والعامة. ويعد المستوى العالمي لتحرّي الحالات متدنيا، يقدر بعشرة بالمئة، ليفرض عائقا حقيقيا لوسائل العلاج والرعاية لأجل منع انتشار المرض. وتم تشخيص ثلاثين بالمئة فقط من المصابين، وهناك 75 مليون شخص حول العالم عرضة لخطر الإصابة به.


حلول مفقودة

زارت الفيرا وايداليا عدة أطباء، لكن لم يكن منهم أحد يعلم الكثير حول المرض، أو كيفية علاجه. تقول الفيرا: "أصبت بالدهشة، وشعرت بالرعب والحزن لأنني اعتقدت بأن ابنتي ستموت. فوق كل ذلك، لم أتمكّن من الوصول إلى أية معلومات موثوقة، ليثقل هذا الحال قلقي النفسي." ولكون أحد أقاربها يعمل في قطاع الخدمات الصحية، تمكّنت العائلة من الحصول على المساعدة والعلاج. 

حصل هذا الأمر سنة 2012، وتشغل الفيرا حاليا موقع رئيس الإتحاد الدولي لمرضى تشاغاس.

تقول الفيرا: "في المكسيك، لا يتلقى الممتهنون للوظائف الصحية أي تدريب، ويخلطون بتشخيص المرض مع أمراض القلب الأخرى، ولا يدرك غالبية الناس وجود المرض في البلاد، كما هو الحال في بلدان أخرى."

ويقول "كولن فورسث"، مدير البحوث لدى مبادرة أدوية الأمراض المهملة، أن أحد أسباب إهمال تشاغاس "لأنه مرض صامت يبقى مختفيا لمدة طويلة جدا داخل جسم الإنسان بسبب الطبيعة غير المتكشفة للجزء الرئيس من الإصابة." ويشير إلى أن المرض يؤثر أيضا في الفقراء من السكان المقيمين في المناطق الريفية، "والمصابون ليس لديهم وسيلة لتفعيل سياسة للرعاية الصحية. ومع هذا، زادت حركة الناس من المناطق الريفية إلى الحضرية، وإلى قارات أخرى، من انكشاف هذا المرض، والذي يمكن أيضا أن ينتقل بواسطة نقل الدم، ومن الأم إلى الطفل خلال فترة الحمل أو حين الولادة، وعبر نقل الأعضاء.


قصص مهولة

نشأت "اميليا رودريغز"، 42 عاما، في بلدة صغيرة في بوليفيا؛ وهي تتذكر "بق التقبيل" الذي يظهر ليلا، وقصص الأشخاص الذين يسقطون صرعى بشكل مفاجئ أثناء العمل أو لعب كرة القدم. وانتقلت إلى مدينة برشلونة الاسبانية قبل 27 سنة، وأجرت تحاليل حينما كانت حاملا بطفلها الأول قبل ثمان سنوات، لتجد أنها حاملة للمرض. "شعرت بصعقة جراء الصدمة، وتذكرت جميع قصص أقاربي عن أشخاص ماتوا فجاة، ليطرق تفكيري: ماذا سيحل بطفلي؟"

وبالإمكان معالجة تشاغاس بنوعين من الأدوية، تم تطويرهما قبل خمسين سنة، ولديهما فاعلية أكبر حينما يتم اعطاؤهما بعد الاصابة بوقت قصير، ويمكن لهما شفاء الطفل الرضيع. أما البالغون، فلا توجد ضمانة للشفاء، لكن العلاج بمقدوره منع أو كبح تطوّر المرض، وينبغي تلقي العلاج لأكثر من شهرين، مع وجود أعراض جانبية حادة. وتتذكر اميليا ظهور طفح جلدي لديها، والشعور بالدوخة والغثيان، ونجحت في استكمال علاجها، وهو أمر لا يفعله الجميع، وحاليا تتابع إجراء فحص سنوي.

يقول البروفيسور "ديفد مور"، الاستشاري لدى مستشفى الأمراض المدارية في لندن، عن الدوائين: "انهما من الأصناف القديمة، ويحملان سموما، وعمليا غير فعالين. هناك حاجة ماسة لأدوية جديدة، بيد أن شركات تصنيع العقاقير لا تطوّر أي منها لعدم وجود سوق جاذبة ماليا لها."

وأسس مور "محور تشاغاس"، وهي مجموعة من الأطباء السريريين والعلماء، وأفراد من التجمّعات السكنية في أميركا اللاتينية، وتدير العيادة الوحيدة المعنية بالمرض في بريطانيا. يقول مور: "هدفنا الأساس هو فحص المزيد من الناس وعلاجهم، ومحاولة تقليل خطر الانتقال، وهو في بريطانيا ينتقل من الأم إلى الطفل. 

تكمن مشكلتنا الرئيسة في كون المجتمع البريطاني غير مكترث لهذا الأمر، وهذا دأب الناس حتى في الأماكن التي ينتشر بها المرض."


صحيفة التلغراف البريطانية