الأنقاض الخرسانية.. ركام الحرب والزلزال لإعادة الإعمار

بانوراما 2023/05/07
...

 داميان كارينغتون

 ترجمة: ليندا أدور

"إن الركام الخرساني الناتج عن المباني المدمرة يمكن إعادة تدويره بأمان الى خرسانة جديدة واستخدامه في إعادة البناء بشكل أسرع وأقل كلفة وأكثر خضرة"، هذا ما توصل اليه العلماء في كل من سوريا وبريطانيا وتركيا عندما أثبتوا أن الخرسانة المعاد تدويرها لاستبدال نصف الحصى المستخدم في الخرسانة الجديدة لن يؤثر على أداء المبنى بشكل كبير.

فقد أسفرت الحرب في سوريا عن تدمير أكثر من 130 ألف مبنى فيها، 70 بالمئة منها مشيدة من الخرسانة المسلحة، ليأتي الزلزال الهائل في شباط الماضي، الذي ضرب المنطقة الشمالية منها، فيزيد من حجم الدمار الذي لحق بالكثير من المناطق، ويصل بحجم الأنقاض الخرسانية في البلاد الى 40 مليون طن، لكن الحاجز الرئيس لإعادة تدوير هذه النفايات هو ضمان أن الخرسانة الجديدة قوية وآمنة كالخرسانة 

الأولى. 

بالرغم من إنتاج خرسانة معاد تدويرها في أماكن أخرى، الا أن هذه هي المرة الأولى التي يثبت فيها سلامة الخرسانة التي يتم انتاجها عن طريق استخدام أنقاض مباني دمرتها الحرب، لكن يبقى أن مسألة الاختبار، في كل منطقة، مطلوبة بسبب الاختلافات المحلية في الكيفية التي صنعت منها 

الخرسانة.

يفسر انتهاء الصراع في سوريا معنى عودة ملايين اللاجئين النازحين الى مناطقهم. ما يعني أنه بات من الضروري إيجاد طرق لخفض التكلفة وزيادة سرعة إعادة

الإعمار. 

يشير عبد القادر رشواني، الذي أضطر سابقا للنزوح جراء الحرب الى مدينة غازي عنتاب التركية، الى أن أكثر من 40 بالمئة من المباني تعرضت للتدمير في سوريا. 

وفي دراسة قام بها، يقول رشواني، وهو أستاذ وخبير الخرسانة بجامعة الشام في حلب،: "كان يتوجب علينا مساعدة الأهالي هناك، كان الكثير منهم بحاجة اليها، كنا نذهب يوميا الى هناك متناسين العواقب السيئة المترتبة على 

ذلك".

مضيفا: "بدأنا نتوجه للمجالس المحلية بهدف مساعدتها لوضع بعض الخطط موضع التنفيذ للمستقبل، ويمكننا، على أقل تقدير، أن نجعل هذه المنطقة أكثر أمانا ونمنح أهلها بعض الأمل". وكان رشواني قد اضطر للتنقل يوميا ما بين سوريا وتركيا برحلات طويلة ومرهقة لغرض إنجاز الأعمال الميدانية للدراسة والمشروع.


اختبارات ناجحة للركام المدوّر

بدوره يرى الدكتور ثيودور هاناين، من جامعة شيفيلد بإنكلترا، الذي كان أحد أعضاء فريق الدراسة بأن: "من المؤسف، أن الحرب خلّفت العديد من المباني المدمرة، واليوم، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، تضررت المزيد من المباني في الأجزاء الشمالية منها"، مضيفا "سيرغب الناس بإعادة بناء ما دٌمر، وأن "إعادة التدوير" ستوفر الكثير في عمليات النقل بدلا من جلب المواد الخام، وهنا غالبا ما سنواجه تكلفة أعلى ويصبح حصباء (الحصى أو قطع الحجارة الصغيرة) الخرسانة نادرا، سيما وأن الكثيرين لا يمتلكون ما يكفي لتحمل النفقات حاليا".  

استُخدمَ في الدراسة، التي نشرت مؤخرا بمجلة مواد الهندسة المدنية، ركام المباني المدمرة من عشرة أماكن تقع في مدينة الباب ومحيطها، شمالي سوريا، اذ جرت سلسلة من عمليات الاختبار من خلال سحق الركام وإزالة أي مواد فولاذية أو نسيجية قد يحتويها ثم يتم غسل الحصباء أو الحصى الناتج، علما أن المواد ذات الحبيبات الدقيقة المترشحة تضم ضمن مكوناتها الرمل والأسمنت، ويجري دراستها الآن للوقوف على مدى امكانية إعادة استخدامها كذلك. 

يشار الى أن ركام الخرسانة المعاد تدويره قد تم استخدامه ليحل محل 50 بالمئة من الحصى الجديدة التي تدخل في صناعة الخرسانة الجديدة، اذ تم إجراء اختبارات قوة مقاومة الشد  ومقاومة الانضغاط، الى جانب اختبار كميات الماء وغازي ثاني أوكسيد الكاربون والكلور التي امتصتها، اذ يمكن أن يكوّن الغازان حوامض تتسبب بتآكل وصدأ الحديد المستخدم في تسليح الخرسانة.

يؤكد الباحثون بأن النظام الذي اتبعوه يمكن استخدامه في بلدان أخرى لإعادة البناء جراء ما تشهده من حروب أو كوارث، فضلا عن امكانية استخدام الركام المعاد تدويره لملء حفر القنابل أو طبقة أساس للطرق. وينوه هاناين بأن العمل مع العلماء السوريين كان مثمرا، "الأمر الرائع في هذا المشروع، هو إنه شيء بإمكانهم استخدامه في المستقبل وإحداث فرق". 


*صحيفة الغارديان البريطانية