استصلاح نحو مليوني دونم وزراعة مليون نخلة

ريبورتاج 2023/05/08
...

   احمد الفرطوسي

  تصوير: خضير العتابي

شرعت هيئة الحشد الشعبي بمشروع زراعة مليون نخلة في بادية السماوة والذي يمتد على مساحة مليوني دونم والهادف إلى دعم سلة العراق الغذائية عبر استصلاح التربة والتوسع بزراعة المحاصيل الستراتيجية، فضلاً عن توفير فرص عمل لأبناء المحافظة.

ويشكّل مشروع المليوني دونم، إضافة لمجال تنمية التجمعات الصناعية المعني بتعبئة وصناعة الأغذية، بجانب التنمية الزراعية التي تمثل عصب المشروع. يتميز المشروع أيضاً بأنه يهدف إلى خلق فرص عمل لاستقطاب العمالة المحلية، كما سيتم مستقبلاً توفير خدمات تعليمية وطبية في محيط تلك المناطق، إذ يندرج هذا المشروع تحت بند أولى الخطوات الحاسمة نحو مستقبل "التنمية المستدامة" والتي من خلالها ينشأ نموذج للبادية الحديثة، إذ نشأ المشروع في إطار معالجة المشكلات التي تصيب الرقعة الزراعية عن طريق العمل على زيادتها وتوسعتها واستغلالها بالشكل العلمي الصحيح والأمثل.


قهر الصحراء وصناعة الأمل

وقال فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي خلال احتفالية نظمت في المثنى وشهدت إطلاق مشروع (المهندس) وحضرها عدد كبير من الشخصيات والمسؤولين، "تشرفنا بالشروع في الوجبة الأولى من مشروع زراعة المليون نخلة والمعبرة عن رغبة الحشد الشعبي في كسر صعوبة ووعورة هذه الأرض"، وأضاف "بدعم الحكومة والبرلمان وكل الغيارى ستتحول هذه الصحراء الجرداء إلى واحة خضراء منتجة خلال قابل الأيام".

وأشار الفياض في حديثٍ لـ (الصباح) إلى "أن الحشد يبدأ صفحة جديدة من جهاده، فكما قاتل وقدم التضحيات من خيرة أبنائه، هاهو اليوم أيضاً يسطر ملحمة جديدة في قهر الصحراء وصناعة الأمل والبناء من خلال عملية زراعية تمثل الأمل والنماء لهذه المنطقة وللعراق جميعاً". لافتاً إلى "أن شركة المهندس العامة ستكون لها نشاطات متعددة تسهم جميعها في التنمية والازدهار وزيادة القوة الاقتصادية لهذا البلد".

معاون رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، ياسر العيساوي قال لـ (الصباح): إن "النخلة تمثل رمز العراق الأساسي، وإذا لم يكن هنالك نخيل لن تكون هنالك زراعة، وقد عرف العراق النخيل منذ عشرة آلاف عام وكانت النخلة هي رمز البلد وعلينا أن نحافظ على هذه الرمزية والخصوصية"، وأضاف "يمثل النخل مورداً اقتصادياً مهماً وأيضاً هو مثبت للتربة وغطاء للمحاصيل الزراعية كالخضراوات بنوعيات متعددة وجيدة تمتاز بإنتاجها الغزير من التمور والسرعة بالنمو".


خطة تكاملية لعشر سنوات

بينما قال الدكتور طالب عبد الله مستشار محافظ المثنى: "هذا المشروع يمتد على مساحة مليوني دونم في بادية السماوة التي تتجاوز 22 مليون دونم، وسيكون انطلاقة حقيقية لمشاريع مستقبلية في المثنى التي تمتلك خزيناً هائلاً من المياه الجوفية والتربة العالية الجودة". وأضاف: أن المشروع سيسهم بدعم سلة العراق الغذائية وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة، بخطة تكاملية خلال عشر سنوات، ابتداء من هذا العام عبر زراعة مليون نخلة وكذلك تزامناً مع زراعة شجرة الجوجوبا التي تمتاز ثمارها بالإنتاج الغني والعالي الجودة".

ولفت عبد الله إلى أن "المشروع شمل أيضاً نصب المرشات المحورية والاعتماد على طرق الري الحديثة في زراعة المحاصيل الحقلية والتوسع بزراعة محصول القمح والشعير وكذلك زراعة الكثير من أنواع الخضراوات في هذه المنطقة، التي شهدت خلال الأعوام السابقة زيادة وارتفاعاً مطرداً في إنتاج محصول الحنطة، وسيسهم مشروع المهندس في توفير كميات إضافية من القمح ليدعم الاحتياج المحلي من هذه المادة الستراتيجية".


زراعة أشجار الجوجوبا

من جهته، أوضح د. عبد الكريم حمد، المستشار الزراعي في شركة المهندس العامة أن "هذا مشروع ضخم وريادي ومن المشاريع المتميزة في العراق، وهذه هي الخطوات الأولى لتحقيق هذا الحلم، حلم إعمار الصحراء واستصلاح بادية السماوة وتحويلها إلى الحالة الزراعية الايجابية المنتجة"، وأضاف "لا يقتصر العمل في هذا المشروع على النخيل، بل هناك زراعات أخرى، مثل زراعة أشجار غابات كالجوجوبا وأشجار منتجة للأخشاب، وزراعة المحاصيل الستراتيجية كالحنطة والشعير وفول الصويا والذرة الصفراء والبطاطا والمحاصيل الغذائية الأخرى".

وتابع حمد في حديثٍ لـ (الصباح): أن "شركة المهندس منذ البداية خططت في تصميمها أن تتجه إلى استخدام الوسائل الحديثة جداً في السقي وترشيد استخدام المياه، فلجأنا إلى المرشات المحورية، حيث كل مرشة تسقي 120 دونماً، بكميات مياه تقل نسبتها عن كمية المياه المهدورة في السقف السطحي"، وزاد "ذهبنا إلى اتجاه آخر أكثر اقتصاداً وهو الاتجاه إلى السقي بواسطة الري بالتنقيط. الري بالتنقيط الذي يعطي النخلة أو الفسيلة حاجتها من المياه ويمنع التبخر ويمنع نمو الأدغال وله إيجابيات كثيرة".


التنوع البيئي وجودة المحاصيل

أما المهندس عبد الحسين سعد، المستشار الزراعي في الشركة فقال لـ(الصباح): إن "التنمية لا تتوقف على مكان محدد، فهذا المكان تتوفر فيه قناة المياه الجوفية وبأعماق اقتصادية ونوعية جيدة، وهي منطقة واسعة تمتاز بالتنوع البيئي وجودة المحاصيل الحقلية التي نحن بأمس الحاجة إليها". وأضاف "يتوفر المشروع على أكثر من 26 مرشة تروي مساحات مزروعة بمحصول الحنطة إضافة للمساحات المستخدمة بالرش الثابت والسقي الديمي، وتمت دراسة الموضوع والاستشارات ووضع دراسة كاملة للمشروع وتشجعنا التربة الجيدة بالرغم من وجود الصخور لكن رجال الحشد الشعبي طوّعوا الأرض وانبتوا محصول الحنطة وصولاً للأهداف المرسومة".

من جهته، قال صلاح مهدي المدير التنفيذي للمشروع "شرعنا في زراعة أول منظومة بمساحة 400 دونم لعشرين ألف مغروسة نسيجية، والهدف أن تكون هناك زراعة مليون نخلة خلال هذا العام وبإذن الله تتوفر جميع المقومات لإنجاح هذه الحملة".

مضيفاً أن "هدف مشروع شركة المهندس هو استصلاح مليوني دونم في أرضٍ متروكة وفيها مشكلات كثيرة من وعورة بالتضاريس ووجود مجموعة كبيرة من الألغام، ومن خلال عملنا ومتابعة الأخوة الموجودين في هيئة الحشد تم تنظيف كميات كبيرة من حقول الألغام المتروكة"، وزاد مهدي "تم تخطيط هذه المساحات بشكل دقيق بغية غرس النخيل وأشجار الجوجوبا التي تتحمل ظروفاً مناخية قاسية بعد استيرادها من جمهورية مصر العربية لوجود تجارب طويلة الأمد مع هذا المحصول".

وأشار إلى أن "هناك تحدياً كبيراً للزراعة في الصحراء، وتحاول التجربة العراقية الفتية بهذا الموضوع عبر الاستفادة من تجارب الآخرين والبدء من حيث انتهوا".

ولفت مهدي، إلى نصب الكثير من منظومات الرش المحورية بفترة وجيزة، واستصلاح الأرض والبدء بزراعتها بمحصول الحنطة، وحفر مجموعة كبيرة من الأحواض لجمع مياه الآبار الجوفية، وكذلك التهيئة لزراعة مساحات كبيرة من شجرة الجوجوبا.


تغيير بيئة البادية والمناخ

وتابع صلاح مهدي المدير التنفيذي للمشروع أن "المشروع سيعمد إلى اختصار الوقت في استصلاح الأرض بمساحة مليوني دونم، إذ إن المدة الطبيعية لاستصلاح مثل هذه المساحة مقدر لها ألا تقل عن عشر سنوات، لكن الجهود المخلصة ستختصر الزمن". مستدركاً، أن "المشروع بالإضافة إلى أهدافه الإنتاجية والتسويقية ستكون له فوائد من قبيل تثبيت منظومات ري حديثة كمنظومة التنقيط تحت سطح التربة، ما يمهد لتغيير بيئة بادية السماوة إلى بيئة أجمل وتخفيف عبء الأتربة والرياح الحارة التي تقصد المحافظة والعمل على التغيير المناخي بشكل ملموس خلال الفترة المقبلة".

من جهته، كشف الوكيل الإداري لوزارة الموارد المائية رائد عبد زيد الجشعمي، أنه "بموازاة أزمة الغذاء في العالم، سعت الحكومة ومن خلال الجهود الوطنية إلى توسيع الزراعة في البلاد وكانت لنا زيارة إلى محافظة المثنى وباديتها"، وأضاف "اطلعنا وبشكل مفصل على مشروع الأمن الغذائي برعاية هيئة الحشد الشعبي كجهد وطني لدعم الأمن الغذائي في العراق، حيث تجرى طرق علمية واعدة في الزراعة واستخدام تقنيات الري الحديث التي من شأنها أن تؤدي إلى الاستخدام الأمثل وكذلك استخدام المياه الجوفية الذي سيسهم بشكل كبير في تنوع المنتجات الستراتيجية للبلد، نتيجة لما يعانيه العراق من شحة مائية توالت على بلدنا لثلاثة مواسم متتالية".