بنوك التنمية الجديدة ومحاولة إنهاء الهيمنة العالميَّة للدولار الأميركي

بانوراما 2023/05/13
...

  توم أوكونور

  ترجمة: بهاء سلمان

خلال زيارته الأولى للصين منذ توليه منصبه في بداية هذا العام، دعا الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” البلدان على مستوى جميع أنحاء العالم إلى التخلّي عن الدولار الأميركي لصالح التداول بعملة مشتركة أو عملات وطنية موجودة. وهو أمر فعله الرئيس البرازيلي، من خلال تعاملات بلاده الخاصة بالتجارة مع بكين قبل أسابيع فقط. “كل ليلة، أسأل نفسي لماذا تجبر كل الدول على القيام بتجارتها مدعومة بالدولار الأميركي؟” يتساءل لولا، معقبا بسؤال آخر: “لماذا لا يمكننا القيام بالتجارة بدعم من عملتنا؟”

ربما كان الأمر الأكثر أهمية من الرسالة التي أرسلها الرئيس “لولا” هو المكان الذي ألقاه بها، فقد تحدّث رئيس البرازيل قبل عدة أسابيع في بنك التنمية الجديد (NDB)، الذي يعمل كمؤسسة مالية مقرّها شنغهاي لتحالف بريكس غير الرسمي. إذ كان قد تم إنشاء مجموعة بريكس، التي تتألف من البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، لأول مرة منذ حوالي 16 عاما كوسيلة عمل للاقتصاديات الناشئة الكبيرة. بيد أن المجموعة اتخذت حياة جديدة على امتداد السنوات الأخيرة، مع قائمة متزايدة من الدول، التي تسعى إلى إقامة شراكات اقتصادية.

وعلى الرغم من أن الأهداف الجيوسياسية المشتركة تعد قليلة، خصوصا، بين الأعضاء الخمسة الأساسيين في البريكس وأولئك الذين يسعون للانضمام إلى المجموعة الموسعة. فقد ظهر هدف مشترك بشكل متزايد لتوفير بدائل جديدة للمؤسسات التي يقودها الغرب. “إن بنك التنمية الوطني هو مثال رائع في ما يتعلّق ببنوك التنمية غير الغربية المتعددة الجوانب، التي تحاول تعزيز آلية تمويل التنمية البديلة التي لا يهيمن عليها الدولار الأميركي أو المعيار الأميركي أو المعيار الغربي،” كما صرّح للصحافة “زونغيوان ليو”، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية.


ثمن قوة الدولار

بشكل أساسي، يتلخّص الأمر في ميدانين، هما: المال والسياسة. في النهاية الاقتصادية للمعادلة، فإن الارتباط بالدولار الأميركي، على الرغم من كل مجده الذي عاشه منذ إنشاء نظام برايتون وودز الذي ربط العملات العالمية بالدولار، يكلّف الدول المال. وذلك إن رسوم التحويل لها ثمنها، خاصة عندما تتم التجارة بأحجام كبيرة، كما هو الحال بين أعضاء البريكس.

يقول ليو: “لأسباب اقتصادية، إذا كانت هناك طرق لخفض تكاليف المعاملات التجارية، بغية تقليل مخاطر العملة أو سعر الصرف، فعندئذ تكون الدول على استعداد للقيام بذلك.” بالنسبة للصين، على وجه الخصوص، والتي تعد أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة، فإن هذا الاتجاه يعد منطقيا.

من جهة أخرى، ويرى “ياروسلاف ليسوفوليك”، مؤسس مجموعة “بريكس + تحليلات”، وعضو مجلس الشؤون الدولية الروسي، بأن استخدام العملات الوطنية قد “ينظر إليه من قبل بعض البلدان كوسيلة لخفض تكاليف المعاملات المرتبطة بالتحويلات إلى الدولار الأميركي، فضلاً عن تقليل حالات عدم تطابق العملة، التي غالبا ما تصاحب المستويات المرتفعة من عملية الدولرة.” كما رأى ليسوفوليك وجود دافع بين أعضاء مجوعة بريكس نحو محاولة سد الفجوة مع الولايات المتحدة، والتي تمثل حوالي 58 بالمئة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، وهي تمثل تقدما كبيرا على عملة الاتحاد الأوروبي؛ اليورو، بنسبة تصل إلى نحو 20 بالمئة، بينما يكون الين الياباني عند نسبة أقل من ستة بالمئة، ويمثل الجنيه الإسترليني في المملكة المتحدة بنحو خمسة بالمئة؛ بينما يشكل الرنمينبي الصيني أقل بقليل من ثلاثة بالمئة من احتياطيات النقد الاجنبي.

يقول ليسوفوليك: “قد تكون هناك أيضا رغبة من جانب بعض أكبر الاقتصاديات النامية، مثل الصين ودول البريكس الأخرى، لمحاكاة نجاح الدولار من خلال جني فوائد الوصول إلى وضع العملة الاحتياطية لعملاتها”. ويضيف ليسوفوليك: “إن الكعكة الكبرى لأرباح نزع الدولار المحتملة تعد أمرا جوهريا، إذا ما وضعنا باعتبارنا الامتياز الباهظ للدولار في العقود السابقة، وقد تهدف بعض أكبر البلدان النامية إلى الحصول على جزء كبير من هذه الكعكة.”


مزايا جديدة

وعلى الرغم من أن هذا الهدف قد يكون محيّرا، إلا أنه يوجد شعور بأن الفائدة الرئيسية “لبنك التنمية الوطني” تأتي على شكل خيارات متنوّعة للدول في تلقي مساعدات تنموية. يقول ليسوفوليك: “إحدى المزايا المحتملة للموارد التي يوفرها أمثال بنك التنمية الوطني تكمن في أنه يمثل مصدرا بديلا للتمويل، ويوفر خيارات أكبر للبلدان النامية، كما أن هناك ميزة أخرى محتملة تتمثل باختلاف في حجم وصرامة المشروطية.”

يضيف ليسوفوليك قائلا: “قد يكون هناك أيضا سبب منطقي سعيا وراء توسيع المجموعة المحتملة من الموارد المتاحة للمقترضين، وقد ينظر إلى بنك التنمية الوطني على أنه مصدر إضافي للتمويل كمكمل للموارد الآتية من مؤسسات بريتون وودز”.

في حين أن نظام برايتون وودز قد جلب الرخاء إلى الغرب، إلا أن آثاره لم تكن محسوسة بشكل متساوٍ على مستوى جميع أنحاء العالم. إذ يقول “أخيل راميش”، الزميل الأقدم لدى منتدى المحيط الهادئ:” يتم تصنيف الجنوب العالمي وفقا لبعض التعريفات وفقا للمعايير الاجتماعية والاقتصادية، فالبلدان الواقعة جنوب الكرة الأرضية، والتي هي إلى حد كبير دول نامية ذات مستويات فقر أعلى، مع نقص في البنية التحتية، لديها شهية نهمة تجاه المساعدة الإنمائية، لا سيّما في مجال البنية التحتية. ومن هنا فإنه وفي ما يتعلق ببنوك التنمية الجديدة، كلما زاد عدد البنوك، إزدادت معه مستويات الفرح.”

ويتطابق الرأي لدى ليسوفوليك، مع راميش الذي يقول: إن “بنك التنمية الوطني سوف يكمل التمويل الغربي” بدلاً من استبداله. لكنه أشار أيضا إلى الجانب السياسي المتمثّل في نزع الدولرة، الذي اكتسب زخما كبيرا نتيجة لستراتيجية واشنطن للاستفادة من ثقلها الاقتصادي لمعاقبة السياسات غير المرغوب فيها، التي تتبناها الدول في جميع أنحاء العالم.

يقول راميش: “الدول لا تريد أن تكون ضحية للعقوبات الغربية أحادية الجانب، فحروب القرن الحادي والعشرين تضمنت أسلحة اقتصادية مثل العقوبات، وهذا يستدعي حلولا بديلة. لقد تحوّلت كلٌ من الهند والصين وروسيا وإندونيسيا، أو تفكر، في إلغاء التعامل مع بطاقات الائتمان للسبب نفسه”.


توافق الآراء

يقول ليسوفوليك إن: “أحد الأسباب الرئيسية للتحولّ نحو استخدام العملات الوطنية هو استخدام الدولار الأميركي في فرض عقوبات على دول أخرى، حيث كانت روسيا هي المثال في العام الماضي. إن استخدام الدولار في فرض قيود اقتصادية قد أحدث “مفعولا واضحا” قويًا لبلدان الجنوب العالمي، وأدى إلى بذل جهود من جانبهم لتنويع مجموعة العملات التي يمكن استخدامها ضمن التسويات الحسابية الدولية على حساب الاعتماد المفرط على الدولار الأميركي”.

من جانبه، أبرز ليو هذه النقطة، من أن الحرب الروسية في أوكرانيا، وحملة العقوبات غير المسبوقة الناتجة ضد اقتصاد عالمي كبير أظهرت “فكرة أنه يمكن قطع التجارة الخاصة بك، ليس بالضرورة لأن شركاءك في معاهدة التجارة الثنائية، ليسوا مستعدين للتواصل، ولكن لأن المعاملات التجارية التي تعتمد الدولار الأميركي لا يمكن تنفيذها”.

ومع ذلك، فإن الدوافع الجيوسياسية تتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها مع اوكرانيا، وتتحدث عن الاتجاهات الأوسع التي ظهرت منذ سنوات ولم تتسارع إلا في أعقاب الصراع المستمر في أوكرانيا منذ شباط 2022. استقطبت قمة مجموعة بريكس الأخيرة، التي عقدت في بكين خلال تموز من العام الماضي، أكثر من 19 من قادة العالم وشهدت طلبين جديدين من قبل كل من الأرجنتين وإيران للانضمام إلى الكتلة. كما ظهر الإهتمام مؤخرا من جانب لاعب مؤثر آخر: هو المملكة العربية السعودية.

وبعد الموافقة على إعادة العلاقات مع خصمها القديم إيران بحلول شهر آذار الماضي من خلال اتفاق توسطت فيه الصين، تقدّمت السعودية أيضا بطلب إلى منظمة أخرى متعددة الأطراف، هي منظمة شنغهاي للتعاون، والتي كانت قد انضمّت إليها إيران في أيلول الماضي. قد يكون الدخول المحتمل لهاتين الدولتين النفطيتين الرئيسيتين إلى كل من بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون خطوة كبيرة نحو تعزيز الدفاعات في حالة تحول العلاقات الأميركية الصينية المتدهورة إلى عقوبات دولية.


مجلة نيوزويك الاميركية