صباح { الصباح }

منصة 2023/05/17
...

  ميادة سفر


لطالما ارتبط تاريخ الدول بصحافتها المقروءة منها والمرئية والمسموعة، لتكون شاهداً حيناً ومحركاً أحياناً أخرى لأحداثٍ مصيريَّة وصوتاً للشعوب معبرة عنها وناطقة بهواجسها وأوجاعها وتطلعاتها، ومرآة للعصر تحكي ما يسكت عنه السياسيون وتعلن ما أريد له أنْ يبقى مخفياً، وفي كل مرحلة تاريخيَّة من مراحل حياة الدول تحضر الصحافة بكل أشكالها كسلطة عليا تراقب وتسهم في التغيير، من هنا كان منطلق جريدة الصباح تزامناً مع بداية تاريخيَّة لبلدٍ موغلٍ في الحضارة والفكر كالعراق، بلدٌ ما زال ينجب خيرة الأعلام الفكرية والثقافية والسياسية، كان لا بُدّ من منبرٍ يحاكي المرحلة ويشكل نقلة نوعية في تاريخ الصحافة العراقية فكانت الصباح التي نحتفي بها اليوم بها في ذكرى تأسيسها.

في الوقت الذي بدأت فيه كثيرٌ من الصحف العربية بالاحتضار والتحول إلى العالم الرقمي مكتفية بما طبعته من إصدارات ورقية، تستمر جريدة الصباح منبراً للعراقيين والعرب عبر طبعاتها اليومية الورقية منها والإلكترونية التي تواكب من خلالها العصر الرقمي عبر موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بصفحات متنوعة من السياسة إلى الاقتصاد والثقافة والفن والرياضة والترفيه، ليجد القارئ فيها كل وأي شيء أو مجال يستهويه، فكانت وما زالت تحمل من اسمها كل النصيب، فهي الصباح الذي تشرق منه شموس الإبداع والفكر وينهل منه كل راغبٍ وشغوف بالمعرفة بكل تنوعاتها.

كان للثقافة حضورها الطاغي والمميز والدائم عبر صفحات الجريدة اليومية وملاحقها الثقافية الاسبوعية التي ازدانت بأقلام ثلة من الكتاب والمثقفين ومن شعراء وروائيين، فكانت مصدر ثراء فكري ومعرفي لا يمكن تجاوزه أو إهماله، عولجت عبرها الكثير من القضايا الفكرية والفلسفية والتنويرية، كما حضرت المرأة بقوة محررة حيناً وكاتبة أحياناً كثيرة، وكان للقضايا الخاصة بالمرأة منبرها الحاضر عبر صفحات الصباح المتنوعة، أتاحت من خلالها المجال للحديث عن شؤون وشجون المرأة عامة والعربية خصوصاً، وتسليط الضوء على كل ما من شأنه تمكين المرأة لتأخذ دورها أكثر فأكثر في المجتمع، وإنهاء الظلم الممارس ضدها وتغيير النظرة النمطية التي لطالما وسمت بها المرأة في مجتمعاتنا.

تمكنت جريدة الصباح عبر سنواتها القليلة من ترسيخ المهنية الإعلامية والحرية الفكرية والاستقلالية، في وقت تحولت فيه كبريات الوسائل الإعلامية في العالم إلى منابر للتحريض والتشهير والدعوة للقتل والتخريب، بقيت متمسكة بمنهجها ومنهجيتها، تحاكي الواقع العراقي والعربي كما هو من دون تجميل ولا تزييف، ملتزمة بميثاق الشرف المهني عاماً بعد آخر، لتؤسس وجوداً جديراً بالاحترام في عالم الصحافة، وتستمر بمخاطبة الأجيال كافة بكل ما يمليه الوضع الراهن والمستقبل المرجو.

تحتاج الصحافة بشكلٍ عامٍ في بلادنا لإعادة الاعتبار لدورها، وإعادتها لتكون السلطة الرابعة التي تراقب الحكام والسياسيين، وأنْ تنأى بنفسها عن أنْ تكون موضع استثمار ومنبراً لأصوات الفاسدين والمفسدين، عبر إفساح المجال أكثر لحرية الصحفيين في قول الحقيقة ومحاربة الفساد، وكلنا أمل أنْ تستمر جريدة الصباح وهي تضيء شمعة جديدة في عيدها لتكون منارة وملاذاً آمناً لأولئك المحاربين بالقلم والورقة على جميع الجبهات، لتبقى للكلمة وقعها الأمضى والأكثر تأثيراً في زمن القتل والعنف والتخريب.