مدير عام دار الأزياء: لا نلبي دعوات الخارج لغياب المال
يوسف المحمداوي
تصوير: نهاد العزاوي
الكثير من الباحثين في الموروث الحضاري اتحفونا بالعديد من المقالات، التي تسلط الضوء على أهمية وجمالية الأزياء العراقية قديما وحديثا، فمنهم من يستشهد بمثل يوناني يقول " في الملبس يضع الإنسان"، وآخر يقول" في وطني أعرف باسمي، وفي الخارج أعرف بملبسي"، ومقولة أخرى تؤكد لنا "من نعرفه ننظر إلى فضائله، ومن لا نعرفه ننظر إلى ملابسه"، و"من ساء ملبسه ساءت سمعته"، وأمثالنا الشعبية لم تتجاهل الأزياء وأهميتها وعلى سبيل المثال القول (كل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس)
لذا نجد الأزياء حصدت المرتبة الأولى في حكم الامبراطوريات، التي تولت حكم العراق قبل ستة آلاف عاما، فالدولة الآشورية لها ما يميزها من الأزياء، وكذلك السومرية والبابلية والأكدية والكلدانية والاسلامية، فكما لكل دولة رجالها أيضا لها أزياؤها، كونها تعكس وجه حضارة كل حقبة زمنية، ومستوى العلم والمعرفة والتطور، التي عاشتها شعوبها وابدعت فيها، من خلال التفنن والتطوير في عالم الأزياء، لذا تجد للملك زيه، وكذلك لحاشيته وعبيده، ولموسم الصيد زيه الخاص، وكذلك لمواسم الزراعة والتجارة والإبحار والسفر والمناسبات، التي تخص الشعوب والدولة.
"الصباح" حاورت المدير العام للدار العراقية للأزياء الفنانة والاعلامية والمترجمة أنعام عبد المجيد، لتحدثنا عن تاريخ الدار وأهمية الأزياء في عكس وجه حضارة البلد:
من الكليدار إلى الجصاص
نتمنى في البدء ان نتعرف على التأريخ الزمني والابداعي لهذه الدار منذ التأسيس والى يومنا هذا؟
- في البدء نرحب بصحيفة الوطن والمواطن والعين الراصدة لمعاناة شعبنا، ونقلها بمهنية عالية وحيادية لجميع قادة البلد.
عاشت الدار عصرها الذهبي في زمن تولي السيدة "فريال الكليدار" مسؤوليتها كأول مدير عام لها في العام 1970، وهذا التاسيس لم يأت من فراغ، وإنما من النجاح، الذي حققته الأزياء العراقية بعروضها المميزة في الاسبوع السياحي للخليج العربي عام 1969، ونتيجة لذلك الحدث استجابت حكومة العراق آنذاك لمناشدات السيدة ( فريال الكليدار)، وقامت بتكليف شركة يوغسلافية، لوضع تصاميم هذا الصرح، الذي يضاهي العديد من دور الأزياء في العالم لجماليته، وسحر عمرانية المبنى في جميع مرافقه، وقد يكون تصريح السيدة فريال الكليدار بعد تأسيس الدار دلالة على أهمية التأسيس ومراحل المعاناة، التي سبقته حين قالت إن "تأسيس الدار جاء من ومضة في البال، لتصبح حقيقة بعد جهد كبير" لتصبح الدار منذ ذلك اليوم والى الآن إحدى مديريات وزارة الثقافة.
أين السيدة الكليدار الآن، وكما هو معروف أنها شغلت منصب المدير العام من 1970 - 2007، وكانت فترة ادارتها توصف بالعصر الذهبي؟
-السيدة الكليدار تركت بصمتها العملية والجادة في الدار، من خلال مشاركاتها الفعالة، حيث بلغت عدد مشاركاتها (150) عرضًا في مختلف دول العالم شملت أكثر من (55) دولة، فضلا عن أكثر من (250) عرضا داخليا للفترة من 1970 لغاية العام 2003، فكانت إدارتها حقيقة العصر الذهبي للدار، اذا ما قورنت بأنشطة الدار ما بعد تغيير النظام المباد، التي لم تتجاوز (14) مشاركة محلية أغلبها في افتتاح مهرجان بابل الدولي، نعم هناك الكثير من الدعوات لنا من أغلب دول العالم في الوقت الحالي، ولكننا لا نمتلك أية أموال لتغطية نفقات السفر والايفاد، وما نعمله اليوم هو بجهود ذاتية من قبل موظفي الدار، وما رأيتم من ترميم ونشاط في الدار هو مبلغ تبرع لنا به الوزير السابق الاستاذ حسن ناظم وقدره(25) مليون دينار، أما بالنسبة للسيدة فريال الكليدار، فهي بعد العام 2003 وبعد نهب الدار ومحتوياتها من قبل عصابات ولصوص ظاهرة الحوسمة، أحيلت على التقاعد وهاجرت البلد، وأنا على اتصال دائم بها للاستفادة من تجربتها الرائدة.
أزياء الدار لجميع العراقيين
ماهي طبيعة عمل الدار، لا سيما أن العمل المناط بها أكبر من عمل أغلب الدور في دول العالم حديثة التأسيس، لكونها الناقل الفعلي لوجه حضارة تمتد لأكثر منذ (6000) عام؟.
- عمل الدار لا يقتصر على تقديم العروض التقليدية، بل إن نشاطها تواكبه الكلمة، من خلال الشعر الذي يميزنا عن بقية الدول، وكذلك مشاركة الموسيقى بالعروض، من أجل تقديم رؤية ناصعة لعروضنا على امتداد تاريخنا الطويل، فتجد أزياء الحضارة السومرية والأكدية والآشورية والإسلامية وأزياء الفولكلور العراقي لجميع القوميات والأديان والاطياف حاضرا في عملنا، لكون أزياء الدار شاملة للعراقيين جميعا، ومن غير المعقول أن تستثني أحدا في نشاطاتها القليلة في الوقت الحالي، لكونها لا تمتلك الموازنة، التي تعيد دائرتنا إلى ذروة عملها، من خلال النشاطات الخارجية، التي توقفت تماما بسبب غياب الدعم الحكومي لها، ولا وجود لموازنة كافية وكافلة لإعادة الدار لبريقها الحضاري، الذي تحسدنا عليه الكثير من الدول، نحن نعلم أن الحكومة داعمة للكثير من الأنشطة الثقافية والفنية، لكننا خارج اسوار ذلك الدعم، على الرغم من كون دائرتنا تابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، وتمثل واجهة مهمة جدا، لعكس الصورة الحضارية والتأريخ المشرق لهذا البلد، وأجد "الصباح" الغراء خير من نناشد عبرها دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، وكذلك معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور احمد فكاك البدراني، للالتفات لهذه الدار، ودعم نشاطاتها الداخلية والخارجية، كونها لا تقل شأنا عن الدوائر الأخرى المدعومة حكوميا، ونحن على ثقة مطلقة بأن الحكومة الحالية ستقف موقف الداعم لنا، من أجل النهوض والريادة العالمية التي تليق باسم العراق العظيم.
"مغنية الحي لا تطرب"
هل يقتصر الدعم الحكومي على الاموال فقط، أم أن هناك مطالبة بمشاركات رسمية تتبناها وتتمناها الدار؟
- بالتأكيد.. أن المال هو عصب الحياة، ولا يمكن لأية دائرة النجاح في عملها، دون أن ترصد لها موازنات خاصة في عملها، وبعيدا عن الأموال، التي نحن بأمس الحاجة لها، هناك نشاطات أخرى هي في صلب عمل الدار، في السابق كان أي مسؤول أجنبي أو عربي، سواء كان إمرأة أو رجلا يتعرف على تاريخ وحضارة البلد، من خلال الأزياء، التي تقوم الدار بعرضها له، من خلال تكليفها مسبقا بهذا العرض، وتقدم له الهدية الخاصة التي تقوم الدار بصناعتها، مثل العباءة العراقية المشهورة على مستوى العالم، واذا كانت المسؤولة امرأة يهدى لها الثوب العربي المعروف بالهاشمي، أو أزياء عراقية اخرى كالزي الكردي، أو الكلداني أو الأيزيدي وغيرها من الازياء العراقية التي نباهي بها الكون، نتمنى أن تقوم الدار بصناعة هدايا الدولة لضيوفها، حتى يتعرف الضيف على المنتوج الحضاري لبلدنا المشرق في كل شيء، فمن غير المعقول أن تحتكر شركة اجنبية أزياء حفلي الافتتاح والختام لبطولة الخليج العربي 25، وتبعد الدار العراقية للأزياء عن هذا الأمر، الذي يدخل في صلب عملها، لكونها تمتلك من الخبرات الكبيرة والكثيرة في مجال النسج والتصميم والخياطة والنقش، بما يؤهلها لتغطية أكبر الاحتفالات العالمية، لكن وللأسف البعض يعمل وفق المثل القائل "مغنية الحي لا تطرب"، وللرعاية الكبيرة التي يقوم بها دولة رئيس الوزراء للثقافة والفنون، سنجده قريبا يلتفت لدار العراقيين، ويوليها الاهتمام التي تستحق، لأنه من غير المعقول أن تكبل أيدي الدار بقيود التجاهل وعدم الرعاية وغياب الدعم الحكومي.
محرومون من المشاركات الخارجية
أهم العروض التي قامت بها الدار بعد توليكم إدارتها؟
- تسلمت الدار العام الماضي في شهر تشرين، ولم يمض على تولينا الادارة سوى سبعة شهور لا أكثر، ومع ذلك شاركنا بمهرجانات عدة، في بابل ونينوى وبغداد واربيل، من خلال الدعوات التي توجه لنا، ففي أربيل وبالتحديد في مدينة عين كاوه كنا أول المشاركين في مهرجان انكيدو، وعكسنا من خلاله صور وتاريخ الحضارة الكلدانية والآشورية والأزياء السريانية، وكذلك في مهرجان اللغة العربية، والذي فيه تحكم الحرف العربي بعروضنا، بحيث استخدمنا الحرف العربي كعلامة متميزة ومطرزة للأزياء المعروضة في الحفل، فكان لكل حرف زيه الخاص به من خلال تفنن مصممي الدار وناسجيها والخياطين والنقاشين، وكذلك كحّل الشعر العربي عيون تلك الأزياء، التي نالت دهشة الحضور وإعجابهم بما قدمناه، وقد تلقينا عدة دعوات من بلدان عربية واجنبية، بل إن بعض الدول قدمت لنا ما يصل إلى نصف المبلغ الذي تكلفنا به السفرة، لكن وللاسف الدائرة، لا تمتلك ما يغطي النصف الآخر من المال، وهذا ما يضعنا في موضع الاحراج امام تلك الدول، التي تدرك تماما أن العراق بلد غني ليس بحضارته فقط، بل بثرواته التي لا تعد ولا تحصى، ومن غير المعقول ألا تستطيع دار الازياء فيه أن تلبي الدعوة لعدم امتلاك أموال
الإيفاد.
مسرح وقاعات للعروض
هل هناك اقسام داخل الدار متخصصة بالفنون كالرسم والخط والتصميم والخياطة والنسج؟
- بالطبع لدينا ما يؤهلنا لرفد الفنادق والاماكن السياحية، بما يعكس وجه حضارتنا الاصيلة، لكوننا نمتلك أقساما متخصصة بالخياطة والنسيج، فنحن لدينا قسم التشكيل بادارة رسامين ونحاتين كبار ولدينا قاعة الواسطي داخل الدار لعرض ابداعاتهم، وكذلك تمتلك الدار قاعة الجواهري، وهي صالة عرض كبيرة وبمواصفات عالية وبمسرح متحرك، يمكنها استضافة المهرجانات والانشطة الثقافية الأخرى، اضافة لعروض الازياء، ولكنها وللأسف لم تستغل من قبل الاوساط الثقافية، ولدينا طابق كامل غير مستغل بسبب غرقه عام 2015، ويحتاج اليوم إلى اعادة تأهيل، لكن ينقصنا المال الكفيل بذلك، ولدينا ايضا قسم التصميم والإنتاج، وايضا تتميز الدار بوجود قسم للتدريب على الخياطة، وبالإمكان ان نحتفظ بالمتميزين منهم لرفد الدار بالخياطين المهرة، وهذا ما جعل عروضنا غير متخصصة بزمن معين، بل تشمل جميع الحقب الزمنية، التي عاشتها البلاد، كفترة ما قبل الاسلام وبعده، وكذلك أزياء الدولة العباسية التي تميزت بالرسوم والزخارف ونقوشات الواسطي، بما يجعل الازياء كلوحات فنية تسر الناظرين.
السيرة الذاتية للمدير العام
للدار العراقية للازياء
انعام عبد المجيد عبد علي الجصاص، تولد الكاظمية عضو نقابة الصحفيين والفنانين والمترجمين العراقيين، خريجة كلية اللغات من الجامعة المستنصرية، فهي تتقن العربية والانكليزية والسويدية، عملت كنائب لمدير عام قناة الفيحاء الفضائية، عملت بالتخصصات القانونية والادارية، من خلال عملها في وزارة الثقافة كمعاون مدير عام لقصر المؤتمرات، وقدمت وأعدّت العديد من البرامج الإعلامية المهمة مثل "مقهى الفيحاء"، و"بعيدا عن الدبلوماسية" و"بلا قيود"، وسلطت الضوء على رموز الثقافة والفن العراقي بمختلف بلدان العالم، من خلال حوارات مهمة معهم في بلدان المهجر، سافرت لأغلب دول العالم واطلعت على قصور الأزياء فيها، وكذلك قدمت برنامجا يهتم بجمالية المدن للفت انتباه المسؤولين بضرورة الاهتمام بمدننا، التي تمتلك جذورا تاريخية وحضارية، لا تمتلكها اية مدينة في العالم، قدمت لقناة التغيير برنامج "صانعات الحياة"، الذي يسلط الضوء على المرأة العراقية وإبداعاتها، قدمت للتلفزيون عدة اعمال منها "يسكن قلبي" و"العرضحالجي"، وفي السينما افلام عدة، منها "المغني" و"شروق"، الذي كان من اخراجها وتمثيلها لكونها درست الإخراج، ونالت شهادة الماجستير و"صمت الراعي"، وغيرها من الأعمال الناجحة في مسيرتها الحياتية.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة