سعاد البياتي

للوهلة الاولى حينما دخلنا إلى معهد نور الإمام الحسين {عليه السلام} للمكفوفين وجدنا اكف الرحمة ترفرف على أكتافهم، وهم يتجولون في ممرات المعهد أو يجلسون على كراسي العلم في قاعات مزينة بضياء الأمل، وكأن النور يشع في عيونهم، استدلالات مشرقة رسمت على قلوبهم الغضة، اينما خطت أقدامهم.

 مكان يعبق برائحة الألم، والجمال، ممتلئ بالحنان والاهتمام، حظي بأساتذة اكفاء يتمتعون بالخبرة والانسانية، ينعزل بكل آفاقه التعليمية والترفيهية، ويكاد ينفرد بعطائه المتكامل من جوانبه المتعددة، لشريحة أراد لها أن تبصر الأمل، وكل ما يجمل حياتهم بالأماني والمستقبل المبهر، لأنهم يحملون طاقات إبداعية رفيعة المستوى.
"الصباح" حطّت أوراقها في أروقة معهد نور الإمام الحسين للمكفوفين في كربلاء المقدسة، لتستطلع شؤونهم الدراسية، وعالمهم المليء بالقصص والخيالات، التي يعجز الإنسان السوي عن تداركها وتحسسها.  

استجابة سريعة
معاون مدير معهد نور الإمام الحسين (عليه السلام) عامر هاشم حبيب الشمري أشار إلى أن "المعهد تأسس العام 2016، باقامة دورات لشريحة المكفوفين، وبطلب من سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، لإقامة مدرسة لطفل بعمر 6 سنوات بعد تكريمه، والذي طلب منه مساعدته في تعليمه وافتتاح معهد خاص بهم، فكانت الاستجابة سريعة من قبل العتبة الحسينية المقدسة لذلك، وبفضل من لله أقيمت أربع دورات لهم، ويشمل المعهد مواد تدريسية، هي مواد المرحلة الابتدائية ذاتها في التعليم العام، باستثناء المواد المعفيين منها، إذ توجد فقرات ضمنية مثل الكتابة، والإملاء، والأصوات باللغة الإنجليزية، والرياضيات، فالتلاميذ معفوون منها، والمعهد يشمل الأعمار من 6 سنوات إلى 10 سنوات، اما الأعمار الأكبر، فلدينا اربع موافقات رسمية لهم، لتدريسهم وهي من عمر 6 سنوات إلى 10 مرحلة الابتدائية، ومن 10 إلى 12 سنة لمرحلة اليافعين، ومن 12 إلى 18 سنة لمرحلة التعليم المسرع، ومن 15 إلى 55 سنة لمحو الأمية، ومن كلا الجنسين".
وبين الشمري ان "اساليب التدريس والمناهج هي ذات الاساليب والمناهج المعتمدة في المدراس في مديريات التربية بالإضافة إلى ثلاث حصص للمكفوفين وهي (لغة برايل والبرنامج الناطق والسير والسلوك) ومواد تضاف له تسمى استثنائية أو اثرائية أو نشاطات لا صفية، كما أن واجبات المعهد هي تهيئة المكفوف وتطوير مواهبه وقابلياته، لا سيما أن البعض منهم يمتلك الموهبة الأدبية لكتابة الشعر أو الخطابة، وإدارة المعهد والمعلمين يساعدونهم على التحرر من عقدهم النفسية والمنزلية، التي كانت تحاصرهم وتقيّد تعليمهم".
وقد لاحظنا وحسب تعبير الشمري التغيرات الايجابية والارتياح النفسي لديهم وارتفاع معنوياتهم، وبدأت بوادر التفوق والدوام المنتظم تتسارع لتكملة المنهج التعليمي، الذي وضعه المعلمون الموجودون في المعهد، وحسب تدريبهم العالي.  
أنشطة متنوعة
المرشد الاجتماعي محمد كريم هاشم، بكلوريوس علم نفس، تحدث عن الحالات التي يتم التعامل معها بشكل خاص في المعهد، وعن حيثيات عمله في حل مشكلات المكفوفين وتدريبهم على مستوى عالٍ من السلوك موضحاً: "لأن الكفيف في عزلة، وبحاجة إلى تعامل خاص وتدريب وبرمجة، لا بد من الأخذ بيده وتعليمه بالوسائل المعتمدة، ولذلك هناك درس في المعهد اسمه السير والسلوك، لتعليم الكفيف كيفية سيره مع المرافق المبصر، أو من دونه في الأماكن العامة، كالمتنزهات، والمطاعم، وفي المناسبات الاخرى، ومع زملائه وغيرها، ليكون مؤهلاً لكل ما يصادفه في حياته الدراسية والمجتمعية".
واضاف ان "المعهد تكفل ايضاً بتدريس مجال الحاسوب الناطق، ويتعلم رسمة الكيبورد والطباعة، فضلاً عن استخدام الهاتف الخلوي، ليحيا حياته الطبيعية، رغم الصعوبات تغلبنا عليها بالصبر والإصرار، ولكل كفيف سجلٌ خاصٌ به، موضحا أن أغلب اهالي المكفوفين مطمئنون على مستوى أبنائهم وتعليمهم، من خلال التطورات التي حصلوا عليها، لذا إن اعتماد الطالب في التعلم على الكوادر التعليمية في المعهد أمر مهم".
وأضاف، أن "الامتحانات التحريرية تتكون من أسئلة شفوية، وبعدها الاستاذ يكتب الأجوبة على الورق الامتحاني، ولكل طالب أستاذ يمتحنه".  

نجاح
النجاحات التي احرزها المعهد كثيرة، ومنها في العام 2020 حصل على المرتبة الأولى، وبنسبة 100% بالمعدلات الدراسية والتربوية، وفي العام 2021 و2022 أحرز المراتب الأولى، ومن الجدير بالذكر أنه من الصف الأول إلى الخامس ابتدائي تكون اختباراتهم في المعهد، اما تلاميذ الصف السادس فيوزعون بين المدارس، وتشرف عليهم مديرية تربية كربلاء، وفي بداية المعهد كان عدد التلاميذ 27، وبمرور الوقت وصل إلى 127 تلميذا، وهذا العدد في كربلاء فقط.

مبدعتان
زهراء حسين الطفيلي، إحدى تلميذات المعهد التقيناها قائلة: "كنت سابقاً إحدى طالبات معهد نور الإمام الحسين (عليه السلام) للمكفوفين وضعاف البصر، وحصلت على المركز الأول على مستوى محافظة كربلاء، وبعد ما تخرجت من المعهد دخلت أحد معاهد اللغة الانجليزية، وأكملت معهم لغة أولى، اي اتقان العبارات الشائعة في اللغة، وفي الوقت نفسه انا كاتبة روائية، ومدربة تنمية بشرية، وأكملت روايتي وهي بانتظار الطباعة، بعنوان "نظير لك في الخلق".
أما زينب حميد عبد إحدى تلميذات المعهد، وهي في مرحلة الرابع إبتدائي، وبسن 10 أعوام، لديها نشاطات، ومنها المشاركة في المحافل المدرسية، وشاركت بعدة مسابقات، ومنها مسابقة "حفظ أحاديث الكوثر"، ومسابقة "الخطابة"، ونالت المركز الأول قبل التصفيات، لكن بسبب ضعف النص وصل آخرون للمركز، وتطمح بأن تكون دكتورة في اللغة العربية.