بغداد: فرح الخفاف
تصوير: نهاد العزاوي
من مليونين إلى مليونين ونصف المليون دينار سعر المتر الواحد في المجمع، هذا ما أبلغنا به مندوب مبيعات إحدى الشركات الاستثمارية لمجمع سكني قرب مطار بغداد الدولي، وبحسبة بسيطة لسعر أصغر وحدة سكنية في هذا المجمع ذات مساحة 175 متراً، فإنه يبلغ بين 350 - 437 مليون دينار، أي أن الموظف ذا الدخل المتوسط وعلى افتراض أن راتبه الشهري يبلغ مليون دينار، يحتاج من 30 سنة إلى 37 سنة لشراء هذه الوحدة السكنية، من دون أن يصرف أي دينار من مرتبه، وهو المستحيل على وفق كل العمليات الحسابية.
هذا باختصار واقع المجمعات السكنية الاستثمارية في بغداد ومحافظات أخرى، في ظل سكوت غير مبرر من قبل جميع الجهات منذ سنوات، وهو ما دعا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الإعلان عن توجه الحكومة لبناء المدن السكنية، التي أكد أنها ستكون متاحة للمواطن الفقير وذوي الدخل المتوسط، وأن الوحدات السكنية فيها ستكون مناصفة بين المواطن والدولة.
وتقول نور حسين (موظفة): “أنا وزوجي فكرنا في شراء شقة سكنية في مجمع بجانب الكرخ، وذهبنا إلى مركز المبيعات وتفاجأنا بأن سعر المتر الواحد 1350 دولاراً، والتسديد يجب أن يتم خلال ثلاث سنوات، بمقدمة 35 ألف دولار، أي أن سعر الشقة ومساحتها 157 متراً يبلغ 280 مليون دينار حسب سعر الصرف الرسمي، وراتبي مع راتب زوجي لا يتجاوز مليونين ونصف المليون دينار، مع العلم أن لدينا خدمة عمل طويلة، وهو ما دعانا إلى العودة للإيجار وإنهاء حلمنا بسرعة، بانتظار ترجمة خطط الحكومة على أرض الواقع”ز
ويؤكد الخبير في المجال العقاري سعد الزيدان لـ”الباب المفتوح”، أن جميع التوقعات كانت تشير إلى أن المجمعات الاستثمارية سوف تسهم في خفض أسعار العقارات، إلا أن العكس حدث.
وأوضح أن ارتفاع أسعار الوحدات السكنية وعملية الإقبال عليها، سواء من قبل ميسوري الحال أو من الذين يقومون بـ “غسل الأموال”، بحسب قوله، أديا إلى ارتفاع أسعار العقارات في أغلب مناطق بغداد، خاصة في جانب الكرخ، معرباً عن أمله بانخفاض الأسعار فور شروع الحكومة بخطتها الخاصة، ببناء المدن خارج المركز وإنشاء الطرق السريعة وتوفير الخدمات.
اما المواطن إيهاب محمد علي وهو موظف متزوج ولديه ثلاثة أطفال، فقال: “كنت أسكن مع والدي في منزله الواقع في جانب الرصافة، ولكن وافاه الأجل منذ عام، وأنا مضطر للخروج منه لأن البيت للورثة، وكحال أي عائلة عراقية، فكل واحد يريد نصيبه في الميراث، لذلك عملت جولة على المجمعات السكنية في محاولة لشراء وحدة سكنية صغيرة بمبلغ ميراثي القليل، ومحاولة الحصول على قرض من أحد المصارف، لأتمكن من شراء شقة لعائلتي، لكني فوجئت بأسعارها الباهظة، التي تتطلب دفع مقدمة شراء تقارب 20 ألف دولار، ومن ثم أقساط شهرية تبلغ 1500 دولار، وأنا مرتبي لا يتجاوز المليون دينار، فبقيت في حيرة من أمري فكيف أقوم بدفع الأقساط الشهرية للشركة الاستثمارية؟ وكيف أدفع الأقساط للمصرف؟ وكيف أعيل عائلتي؟ هذه تساؤلات أضعها أمام المختصين لإيجاد حل “سحري” لمعاناتي، وهي مشابهة لمعاناة مئات الآلاف من المواطنين”.
أما المواطنة سلمى ناصر فقالت لـ”الباب المفتوح”: “من واجب الحكومة وممثلي الشعب توفير العيش الكريم للمواطن العراقي، فتقوم بإعطاء الأرض للمستثمر مجاناً، إضافة إلى منحه القروض الميسرة من أجل عملية البناء، وإعفائه من الضرائب، كل هذه التسهيلات من أجل توفير وحدات سكنية للمواطنين، خاصة محدودي الدخل لحل أزمة السكن في العراق، الا أن الكثير من هؤلاء المستثمرين يقومون بالمتاجرة في المشاريع السكنية، والتربح الفاحش الذي يصل إلى 300 بالمئة من تكلفة الوحدة السكنية، على حساب المواطن الذي لا حول له ولا قوة، فنطالب الجهات المعنية بوضع حدٍ لهذه الانتهاكات الإنسانية في حق المواطنين وتحديد أسعار الوحدات السكنية في المشاريع الاستثمارية، واتخاذ أقصى العقوبات بحق المخالفين”.