الفنانة فرانسواز جيلو ورحلة العيش مع بيكاسو العبقري

منصة 2023/06/18
...

 هويدا محمد مصطفى
كان بيكاسو فنانا ملهما يستوحي أعماله ولوحاته من خلال علاقاته، وكان كلما غير عشيقة يتغير كل شيء، وحين التقت فرانسواز جيلو بيكاسو في معرضها الأول في باريس عام 1943، لم تكن تعلم حينها أن الصدفة التي جمعتها به تحمل لها مسارا مختلفا وغير متوقع، ففارق السن الكبير بين الفنانة فرانسواز التي لم يتجاوز عمرها الاثنين وعشرين عاما، والعبقري الكهل الذي كان عمره يناهز الرابعة والستين، لم يمنع ذلك من الانجذاب إلى الفتاة الذكية والجذابة فتزوجها وكانت ثمرة زواجهم ولدين/ كلود وبالوما/ خاضت خلال مسيرة تشكيلية فريدة استمرت أكثر من 60 عاما، وقضت 4 سنوات منها شريكة لحياة بابلو بيكاسو، حيث كانت شريكة حياة رائد التكعيبية بابلو بيكاسو بين عامي 1946و1953
ولدت فرانسواز جيلو في الـ26 من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1921في منطقة نويي سور سين في ضواحي باريس، لعائلة برجوازية، وسارت على خطى والدتها في الرسم، وكان من بين معلميها الفنان السوريالي أندريه روزدا، وأقيم معرضها الأول في باريس سنة 1943، وهو العام الذي قابلت فيه بيكاسو، وقد استطاعت فرانسواز جيلو الزوجة الرابعة للفنان الإسباني أن تقدم من خلال كتابها اللافت عام 1946/ العيش مع بيكاسو/ الذي حقق نجاحا هائلا، وهو كتاب عن حياتها مع الفنان، أحد أكثر فصول سيرته صدقا وغرابة وصفه بالمتناقضات وهي تصور بيكاسو كرجل مستبد وأناني، وحقق هذا الكتاب نجاحا هائلا إذ ترجم إلى 16 لغة وبيعت منه أكثر من مليون نسخة، ويتقاطع هذا التصوير مع فكرة المعرض الذي أقيم مؤخرا لبيكاسو في «متحف بروكلين» في نيويورك، حيث يضيء على أعماله وسيرة حياته من منظور نسوي ويركز على الجانب الذكوري من شخصيته، وهكذا بدا الكتاب نوعا من جدارية سردية، تضم خلائط ومقادير متعاونة من وجوه الثقافة وتجليات التشكيل ومع أن جيلو كانت قد تلمست منذ البداية وعورة الإقامة مع الفنان، الذي طلب إليها أن تلازم إحدى الغرف العلوية في منزله، وألا يخرجا معا إلا تحت جنح الظلام، لكي لا يراها أحد سواه، إلا أن ذلك لم يمنعها من قبول المجازفة والارتباط برجل، كالذي اختارته هو نوع من المغامرة فكانت ملهمة بابلو بيكاسو لفترة قبل أن تخوض مسيرة فنية استمرت لأكثر من 60 عاما رسخت خلالها نفسها كرسامة مشهورة بعد انفصالها عن الرسام العالمي
الشهير .
ودخلت بعض لوحاتها ضمن مقتنيات متحف «متروليتان للفنون ومتحف الفن الحديث في نيويورك» وقد بيعت إحدى لوحات جيلو المسماة بالوما مع الغيتار مقابل 1,3مليون دولار، وفي مزاد نظمته دار سوذبيز كما عرضت لوحاتها ورسوماتها في العديد من المتاحف والمجموعات الخاصة في أوربا والولايات المتحدة.
ومن المواقف الطريفة أن فنان العصر بيكاسو مرة اصطحب معه زوجته/ فرنسواز جيلو/ خلال زيارة لمرسم صديقه هنري ماتيس، فانبهر الأخير بعباراتها الشاعرية وبإشراقة وجهها وبإطلالتها اللافتة، وسرعان ما طلب منها أن تجلس أمامه كموديل ليرسمها، وفي الوقت الذي كان يضع فيه خطوط الرسم الأولية على سطح اللوحة، ويطيل النظر في ملامحها لالتقاط عمق حالتها النفسية المقروءة في قسمات وجهها وتعابير عينيها، كان بيكاسو جالسا في ركن من المرسم يراقب خطوات إنجاز بورتريه صديقه لزوجته، ولقد استطاع ماتيس الإفصاح بالظل والنور والنسب عن مختلف التعابير النفسية الصادقة في بورتريه/ فرانسواز/ وإضفاء اللمسة اللونية والعناصر الزخرفية المعبرة عن أسلوبه وأحاسيسه ومشاعره الداخلية الصادقة والعميقة، ثم أدخل صورة فرانسواز في لوحات عديدة والتي ظلت ملامحها مطبوعة في مخيلته وظاهرة في بعض لوحاته.
 وبعد معاناة طويلة مع مرض القلب والرئة توفيت الفنانة فرانسواز عن عمر يزيد عن 100 عام، ويذكر أن زوجة بيكاسو الأخيرة جاكلين روك كانت قد منعت ولديه من فرانسواز جيلو/ كلود وبالوما/ من السير في جنازته وأيضا فرانسواز جيلو رغم حصولها على الجنسية الأمريكية فإنها لم تحضر جنازة بيكاسو عام 1973.