احمد نجم
متاهات تشعر بأن لا نهاية لها، مملوءة بالبضائع والمتبضعين ومزدحمة على طوال الوقت، حين تنظر إلى خارطة سوق البالة أو اللنكة تعرف أنك داخل سوق مساحتها عدة آلاف من الامتار، لكنك حين تتجول داخلها، تشكك بالمساحات والأرقام وبالوقت ايضا، وتشعر بأن مساحة السوق عشرات أضعاف مساحتها الحقيقية.
الوقت ايضا يمضي سريعا في وسط البازار وصيحات الباعة، تجذب السوق الآلاف يوميا ليس من اهل المدينة فقط، بل معظمهم من السائحين من داخل وخارج العراق من الذين وجدوا في السوق بضاعة مغرية للتسوق بأسعار أقل وبجودة اعلى.
أسواق داخل سوق
ليس سوقا واحدة بالمعنى الدقيق، أنها مجموعة أسواق مجاورة لبعضها بطريقة شبه منظمة، في داخل السوق من النادر ان تبحث عن شيء ولا تجده، مساحة صغيرة تضم مئات الآلاف من القطع المعروضة
للبيع.
ابرز الاقسام في السوق هي الخاصة بالملابس والمصنفة للنساء والرجال والاطفال، وأحيانا تقسم بدقة أكبر، فهذا الفرع مخصص للعباءات النسائية، وذلك مخصص للقمصان الرجالية وهكذا، اذ كشفت وزارة التجارة في اقليم كردستان أن قيمة استيراد الملابس المستعملة خلال عام 2022 بلغ ما يقارب 150 مليون دولار، وهو رقم كبير جدا، ويشير إلى استيراد مئات الملايين من القطع المستعملة سنويا.
واضافة لذلك فإن السوق تضم أيضا بعض الأروقة الخاصة ببيع الاجهزة الكهربائية والمنزلية والانتيكات والمصغرات ولعب الاطفال ومواد التجميل والمطاعم وغيرها، ومع أنها سوقٌ للبالة، إلا أنها تضم الكثير من المحال التي يباع فيها المواد الجديدة، لتعطي للسوق شكلا متكاملا لجميع احتياجات الزوار وتغنيهم عن زيارة الأسواق الاخرى.
ماركات عالميَّة
يلتقط مصطفى عامر (سائح من بغداد) صورة لحذاء رياضي وجده في سوق الأحذية البالة ويضعها في محرك البحث العالمي (جوجل)، وجد سعر الحذاء في موقع الأمازون يباع بسعر اكثر من أربعين دولار، بينما وجده في السوق بسعر خمسة عشر ألف دينار، وضع حذاءه الجديد الذي يحمل علامة إحدى الشركات العالمية في الكيس ومضى مبتهجا، بينما اتجه صاحب المحل بعرض بضاعته للآخرين.
يقول كفاح ازاد صاحب أحد محال بيع الاحذية بأن الإقبال على شراء أحذية البالة كبيرٌ، لأن معظمها ذات جودة عالية، وتحمل ماركات عالمية معروفة، وأسعارها غالبا ما تكون أقل من أسعار الأحذية الجديدة، واضاف بأن غالبية الزوار تحرص على شراء عدة أنواع من الأحذية، طمعا بانخفاض الأسعار.
وعلى عكس ما هو شائع فإن سوق البالة ليست حكرا على طبقات اجتماعية محددة تقودها ظروفها الاقتصادية لذلك، بل إنها تمثل حاليا مقصدا لمختلف الطبقات الاجتماعية، لا يجد معظم المتبضعين حرجا اجتماعيا في شراء الملابس البالة كما كان يحصل في السابق، ويرى عبد الله شيخان صاحب أحد محال الملابس أن النظرة الاجتماعية تغيرت كثيرا عن السابق، بسبب تحسن جودة الملابس المستعملة وتفوقها احيانا على جودة الملابس الجديدة رغم فارق
الأسعار.
تاريخ البالة
تنتشر أسواق البالة في مختلف المدن العراقية، ويرى بعض المؤرخين أن رواجها بدأ بعد دخول البريطانيين للعراق، بينما عاشت فترة ازدهارها خلال عقد التسعينيات مع تردي الأوضاع المعيشية والحصار الاقتصادي.
واسم البالة مصدره كلمة Bale الانكليزية، والتي تعني حزمة كبيرة، وتشير إلى الحزم الكبيرة من الملابس وقطع البالة، التي تستورد بكميات كبيرة، ثم يعاد تنظيمها وفرزها، اما اسم سوق لنكة فيعيد بعض المتخصصين أصوله إلى كلمة لندن، لأنه معروف بهذا الاسم أو اسماء قريبة منه (مثل لنده) في مختلف المدن الباكستانية والهندية وغيرها ممن خضعت للاحتلال
البريطاني.
صلاح علي يعمل في هذا السوق منذ عام 1990 ومتخصص ببيع أجهزة الصوت والتسجيلات الصوتية القديمة والحديثة، اذ يضم محله عشرات الأجهزة التي يعود تاريخها لعقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، اما رواده فمن مختلف المحافظات العراقية، يذكر صلاح أن السوق قديمة "ولا نعرف بالدقة تاريخ إنشائها، إلا أن نقلها إلى موقعها الحالي، قد تم خلال عام 1999 بعد أن كانت ضمن سوق "نيشتمان".