ماكبث للفنون وعقدة علي إحسان
جبّار وناس
يأتي الإنتاج المسرحي الأول لفرقة (ماكبث للفنون) عبر مسرحية (العقدة) من تأليف علي إحسان وإخراج مثنى طالب ليشكل رصيداً مضافاً للفعل المسرحي الذي قدمته العديد من الفرق المسرحيةِ التي عملتْ ولا يزال بعضها فاعلا في محافظة ذي قار ومركزها الناصرية في جنوب العراق والتي بلغ عددها أكثر من (38) فرقة.
وفرقة (ماكبث للفنون) التي أُسستْ بتاريخ
15 - 1 - 2023 وبجهودِ وطموحِ مجموعةٍ من شابات وشباب هواة دفعهم حبُّهم وعِشْقُهم لفن المسرحِ التراهن على أن تكون لها مساحة على خريطة الفعل المسرحيِ في مسرحِ المحافظةِ من خلال ما تُصرُ على تقديم ما لديها من طاقات شبابية واعدة.
ولنا أنْ نمد يد العون والتشجيع لهذه الطاقات الشابة وفي نفس الوقت نركز على قيمة الموهبة واحترامها والإيمان العميق بمدى الشروع في تأسيس فرقة مسرحية يُرادُ منها أنْ تُشاركَ وتتفاعلَ في حضور فني إيجابي فلابد من الأخذ في الحسبان أنَّ المسرح والعمل فيه لا يتوقف على الموهبة والهواية فقط، بل يتعداها إلى مديات أوسع وارحب تنهل من المعرفة والتمعن بتاريخ العمل المسرحي والشروط التي يجب أن يتوقف عندها كل من يبادر إلى الإعلان والتصدي في التأسيس لقيم مسرحية لها أن تكون من الرسوخ والثبات والاستمرار في العطاء والتواصل المثمر مع روح المسرح والإيمان الحقيقي بفعل وأهداف تفاعله المتحصل بروح الجماعة لإنتاج خطاب جماعي يتسم بآثاره الإيجابية وما يتركه للذاكرة في حاضرها وما هو قادم.
والإعلان عن تأسيس هذه الفرقة سيعيد لنا التذكير أيضا بالدور المهم الذي لعبته الفرق المسرحية الأهلية وتنوع ألوان ما تنتجه من عروض مسرحية وفعلها الكبير في مسيرة الحركة المسرحية في العراق وعلى صعيد محافظاته التي شهدت وجود فرق مسرحية أهلية لعبت دورا كبيرا في بروز فاعلية الأثر الكبير للمسرح في العراق.
العرض المسرحي (الواضح)
نحن مع عرض مسرحي يتبدى أمامنا بكل توصيفات الوضوح فهو يقدم لنا الحياة الخام في بيئة الريف بكل تفاصيلها ومن دون تصنع او افتعال بدأً بتأثيث خشبة المسرح (مكان العرض) وصولا إلى ملابس الممثلين والتي طُبِعتْ ايضا بإحالات تتصل من قلب الريف وروحه الحية فضلا عن التمسك باللغة والملفوظ الحواري والذي أُستلَ من لهجة الريف ومن ميراث ما تختزنه تلك اللهجة المائزة، والمثيرة في التداول والانصات إليها عن قرب.
فما حصل مع هذا العرض أنَّ مؤلف العرض علي إحسان قد ذهب نحو موضوعاتٍ كانت ولاتزال ساخنةً في حضورها بين أوساط الريف ومنها قضية النهوة، ومنع الفتيات من التعلم إسوةً بالأولاد الذكور وأيضا التطرق إلى صعود مديات العنف العشائري وتصاعد بآثاره بشكل ملحوظ بعد مرحلة 2003 وما تبعها من تغيرات شملت بآثارها السلبية اوساط المجتمع في العراق ومنه مجتمع الأرياف وأيضاً تم التطرقُ إلى أسلوب السخرية التي تنال من دور المتعلم وعدم الاحترام المطلوب لدور الكتاب في حياة الشباب والإزدراء الفض وغير المعقول أزاء الإنسان الواعي والذي ينظر لأمور الحياة نظرةً ملؤها التمعن الحصيف يختلف كثيرا عما ينظر إليها الآخرون والذين لا يعطون الاعتبار المطلوب للإنسان والمثقف المبدع بينهم وايضا ثمة طرح أتى به نص المؤلف يُذَكِّرُ بصراع بين الحديث والقديم وكذلك يركز المؤلف على مفهوم الذكورة والرجولة وكذلك يتم التطرق إلى موضوعات باتت ساخنة يشهدها العراق في السنوات الأخيرة يتمثل بالبطالة وأزمة الخريجين الذين يتخرجون في المعاهد والجامعات في العراق وبأعداد غفيرة من دون أن يجدوا لهم مشاريع عمل أو وظائف داخل دوائر الدولة فصارت تمتلئ ببعض منهم مساطرُ العمال
والمؤلف نراه يعمل على تسجيل تلك الحالات وبدقة غلبت عليها صفة الوضوح والتعامل الواقعي معها من دون الوقوع في شرك المباشرة الساذجة أو الزخرفة الشكلية التي تجعل من العرض المسرحي يبتعد كثيرا عن أهدافه ومراميه .
وإذا ما تفحصنا هذا العرض نجد أنَّ المؤلف أيضا قد نجح في رسم تفاصيل دقائق العرض على ورقه والذي نرى أنَّ المخرج مثنى طالب لم يخرج كثيراً عما خطه المؤلف داخل سطور
نصه.
ومبثوثاتُ هذا العرض ارتكزت على محاور ثلاثة تمثلت: محورها الأول بديكور ثابت من تصميم علي يحيى لِيأخذ ملامحه من فضاءات البيت الريفي فهذا البيت ظهرت لنا دواخله بمفردات بسيطة استملت على سعف النخيل وإناء الماء (الحِبْ بكسرِ الحاء وتسكين الباء كما يُعرف في اوساط الريف) وايضا طبق الخبز المعلق ومفردات أخرى ظهر أثرها أثناء مجريات العرض ومنها (الكرسي، الكتاب، والحبل الذي تم به لف وربط الولد المتعلم/ المثقف).
والمحور الثاني هو القائم بواسطة الأداء التمثيلي، فالمخرج صار رهانه الأول على ما يأتي به الممثلون كل حسب قدراته وحجم الدور الذي يلعبه وما لديه من قدرات وتلوينات أدائية سواء أكانت بالصوت او الاعتماد على الحضور الجسدي وفي هذا الرهان نلمح أنَّ هذا المفصل (الاداء التمثيلي) قد ازاح او قلل من امكانية أي مفصل آخر من المفاصل التي يجب أنْ تترافد في متن العرض كيما نرى عرضا مسرحيا يتكامل بتعاضد مكملاته الفنية (النص، الممثل، قدرات الإخراج، الديكور، الموسيقى، الاضاءة، الأزياء) فمن هذه العناصر السبعة نجد أربعة عناصر فقط قد حضرت ومنها الديكور والازياء من تصميم كرار إحسان والممثل والنص وبحضور متفاوت لمحنا من فعل الإخراج الشيء البسيط بسبب إنسياقه وراء هيمنة فعل التأليف وإذا ما أمعنا في فرز قدرات الاداء التمثيلي فسيبرز لنا من إمكانات الاداء والإلتماع عند الممثل أثير السيد في دور (صويلح) وقد بدا على ادائه الانسجام في الحركة وفي الإلقاء الصحيح والنجاح وهو يؤدي اللهجة الريفية بتوازن محسوب ومقنع ومن دون افتعال او مبالغة لدى من شاهده وسمعه من الجمهور الحاضر والأمر ينسحب على الممثلة صابرين محمد بدور (خيريه) فهي الأخرى حظيت بحضور مقبول تمثل باسترخاء جميل رافق مراحل تحولات الاداء لديها حينما تحتج وترفض وتدافع عن وجودها المستحق وسط مجتمع يريد إلغاء دورها وأيضا تكاد تحضر معها الممثلة هاجر يوسف بدور(طرگاعه) والتي أظهرت مدى إنشغالها بما يدور ما بين أولادها وابيهم الرجل الفلاح المتزمت والذي قام بأدائه الممثل(سامر السلطاني) بدور (مطشر) أما الممثل علي إحسان بدور (المتعلم/ المثقف) فقد تحمل أعباء النصيب الأكبر من مجريات العرض لأنه كان وكما مرسوم له لأن يكون قطب الرحى الذي تشعبت وقامت عليه أحداث هذا العرض فظهر في حالات معينة من التماسك الصحيح يتماشى وثنائية الإنشداد لتطلعه كمتعلم وايضا في وجوده الواقعي وسط مجتمع يحط من قيمة تعلمه وتطلعه.
أما الممثلون علي الأعرجي بدور(طافي) وكرار الهلالي بدور (متعب) وصلاح الغريب بدور (الدكتور) ووائل محمد بدور(عذاب) فهم قد ظهروا وقد شاب أداء بعضهم المبالغة وعدم الانسجام في تحقيق أدنى مقومات التمازج الحي فيما يخص النطق السليم واظهار اللهجة الريفية وبإلقاء مقبول.
المحور الثالث يتمثل بفحوى الخطاب الذي تبناه هذا العرض في طرح وتأكيد الفعل الثقافي والتعويل عليه ليكون هو الحل وهو النموذج السليم الذي تستقوي به قوى المجتمع في بناء حاضرها والسير بخطوات ناصعة نحو مستقبلها وهي تتحصن وتتلبس بشعار (الثقافة قوة) كما جاء لنا في المشهد الختامي لهذا العرض بعد أنْ شاهدنا في مشاهد أخرى من تفاصيل العرض كانت تركز على إعطاء ديمومة الإيمان لذلك الشعار كما في مشهد صراع الابن المتعلم/المثقف وهو يحمل ويفتح ويقرأ في كتاب يحتضنه ويمسكه بين يديه وحين يضعونه ويلفونه ويربطونه بحبال حول كرسي جلوسه وايضا في مشهد دخول الدكتور ليفحص ذلك الابن ويتبين عدم مرض الابن وقد كان هذا المشهد من الالتماع والتأثير الذي جاء به الإخراج حين صاحب دخول الدكتور على الابن إنفراد صوت الكمان لنسمع عزفا حزينا لطور الغافلي وهو من الأطوار الريفية المغرقة بالحزن وفي هذا إشارة على عمق المأساة والكارثة التي يتعرض لها من هم يحملون هماً وتطلعاً ثقافياً تنويرياً وسط مجتمع يجافي ويعمل بالضد من سيادة فعل الثقافة ودورها التنويري في المجتمع وهي تعمل لإزاحة وهن المجتمع الذي تعمل بداخله قوى ذات نفس شمولي عسكريا، قوميا، دينيا، عشائريا وما تحاول هذه العنونات من تصدير مخلفاتها في الخرافة والجهل وتركيع المجتمع وسيادة لغة القطيع وعبادة الماضي بكل امراضه.
وتبقى لنا أنْ نرصد الاتي:
1 -أنْ يتم الابتعاد عن المبالغة والمغالاة والتي ظهرت على أداء بعض الممثلين والذين افتقدوا لما يسمى بصدق التبني الراجح في استحضار الشخصية الريفية وقد حصل أمامنا بعض منهم في إلقائه وكأنه يتشدق بما يلفظه من حوار.
2 -قدم لنا المؤلف والمخرج معا في بعض من مفاصل عرضهما وكأننا نشاهد تقليداً لمسرحياتٍ او بعض المسلسلات الريفية التي قُدمت سابقا من على شاشة بعض القنوات التلفزيونية ولعل أقرب هذه النماذج مسرحية ومسلسل بيت الطين.
3 - من غير المعقول أن يتم التخلي التام عن مكملات تكاد تساهم في إنشائية وحضور العرض المسرحي بمقبولية لدى الجمهور والذي شاهدنا أن المخرج قد زهد بدور الموسيقى وايضا بدور الإضاءة.
4 -كانت بعض الحركات التي قام بها بعض الممثلين لا تتلاءم وهدف الخطاب الذي أراد العرض ان يقدمه لنا فحركات هز الأرداف ومحاولة استمالة الجمهور هي من بقايا المسرح الاستهلاكي الذي ظهر في مسارح العراق في مرحلة التسعينيات من القرن العشرين.