ميساء الهلالي
حملت السنوات الأخيرة لنا بشارات عديدة عن مولد جيل جديد من المثقفين ينكفئ على قراءة مختلف الكتب، فضلا عن جيل من الشباب الواعد أتخذ طريق الكتابة نهجا، فبرزت عدة روايات ومجموعات شعرية وقصص قصيرة وطويلة متنوعة لكتاب معاصرين، اختاروا المشهد العراقي الحديث مادة لكتاباتهم وصوروها بلغة بسيطة وسلسة جدا، حتى تشبعت اللهجة العراقية في الكثير من مفرداتها لتسهيل الفهم على القارئ.
لا سيما أن القارئ الحالي لا يملك من الوقت والقدرة والطاقة للتركيز في المفردات الصعبة التي كان يستخدمها الكتاب قديما ويفهمها القارئ بسرعة، لأن الحياة كانت أبسط من كم التعقيد الذي يحيط بعالمنا اليوم والسرعة القصوى، التي ترافق أيامنا فشملت السرعة والسهولة الكتابة أيضا.. ولكن بعض الكتاب الجدد اختار اللجوء إلى اللهجة العراقيَّة بشكل كامل في رواياته، لا سيما القلم النسوي، انطلاقا من مبدأ سهولة الفهم على المتلقي البسيط وذلك بتبسيط المعنى، حتى يفهمه الجميع فصارت بعض الروايات اليوم أشبه "بسالوفة" عراقية كما كنا نطلق عليها سابقا واخترت مفردة "سالوفة" لأنها أيضا أقرب إلى المتلقي العراقي من غيرها.. بل إن بعض الكاتبات بدأت رحلتها في عالم الكتابة من منصات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، وسواه بطرح قصص متسلسلة أشبه بمسلسل مكتوب على شكل حلقات في الصفحات النسائية واختيار قصص من الواقع العراقي يشعر القارئ بأنها تمسه وتنطلق من داخل بيته، وعندما لمست هؤلاء الكاتبات قبولا لتلك القصص وحظين بشعبية كبيرة على تلك المنصات تحول نشاطهن، ليصبح كتابيا ورقيا بحتا على شكل روايات متعددة، لاقت استحسان المجتمع البسيط، بينما سخط الجمع المثقف من إغراق الفن الروائي بلغة الشارع البسيطة، والذي سيبعد الجيل الجديد عن تشعبات اللغة العربية، وبالتالي سيخلق جيلا غير قادر على تكوين جملة مفيدة.
وبين هذا الرأي وذاك تتسع دائرة اللجوء إلى الفن الروائي الشعبي الجديد ذي اللهجة الدارجة والابتعاد عن الروايات المعقدة من وجهة نظر الشباب، الذي يسعى للقراءة أحيانا كنوع من لفت الانتباه أو لإثبات الانتماء إلى عالم الثقافة، والتجوال في شارع المتنبي بحثا عن هذا الكتاب أو ذاك.
هنا يكمن السؤال ترى هل أن الجيل الجديد يبحث عن التبسيط هربا من حياة معقدة بكل ما فيها، وبالتالي يحتاج إلى كتابات لا تتطلب منه وقتا لفهمها، أم أن اتخاذ أغلب الكتاب لأحداث العراق على مر العصور مادة لرواياتهم، وعرضها بشكل يثير الشجون ويفتق الجروح هو ما قاد جيل الشباب للبحث عن روايات تبتعد عن المأساة وتجلب الطاقة الايجابية، اعتقد بأن الشق الأخير هو ما يبحث عنه الشباب فهم غير قادرين على حمل وزر سنوات القهر، التي مر بها الإنسان العراقي وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حالة إيجابية بعض الشيء وهي صرخة يطلقها الشباب في وجه كل من يكتب عن مأساة بلد نعيش فيه وتحويل الألم إلى فرح من خلال الكتابة، وإن كانت تحمل بعض القصص الحزينة، إلا أنها تحاكي الواقع ويفهمها الجميع.. ومع ذلك يبقى السؤال الأخير.. ألا يمكن أن يكتب رواة اليوم بلغة عربية فصيحة، ولكنها سهلة ومفهومة للجميع ولا ضير في استخدام بعض المفردات العراقية للضرورة، وذلك لإنقاذ ما تبقى من حروف اللغة المتساقطة على حافات المشهد الحياتي المؤثر للواقع الحالي.