{نرجس}.. متعة بَصَرية ومضامين تربوية

منصة 2023/07/05
...

  علي العقباني


تأتي عروض مسرحية الأطفال "نرجس" تأليف الروائية والشاعرة والمحامية فاتن ديركي إخراج عبد السلام بدوي على خشبة مسرح القباني بدمشق، في اطار السعي نحو مسرح طفل سوري يحاول بظروف صعبة على الصعيد العام والخاص تقديم مسرح طفلي مشوق وممتع وذي هدف بعيد عن الشعارات  والخطابات قريباً من قصة بسيطة وعميقة تحاكي وتلامس معطى هاماً في ثقافة الطفل وعقله، في نص مشغول عبر شخصيات منمطة بالشكل والمضمون لأنها تحمل خصوصية حالتها وحركتها ولغتها، وقد حاول بدوي  تقديم مقترح شكلي بصريّ مبهج من خلال خلفية ضوئية كبيرة بلا أي ديكور أو اكسسوار على الخشبة، ورقصات تعبيرية وأغانٍ تشكل معظم ما يقدم في مسرح الطفل.

وفي الحكاية أننا نكون أمام صبية جميلة اسمها "ورد" (رولا طهماز) يحرسها كلبون غسان الدبس، وارنوب سليمان قطان، لنكتشف أنها الأميرة "نرجس" التي سقطت من جرف عال أثناء هرب عائلتها من الدمار والحرب ليتلقاها الاثنان ويربيانها في الغابة، إلى أن يعثر عليها  الأمير (فراس الفقير) المذيع والممثل في دور مسرحي جديد ، وهو لا يعرف من تكون لكنها تعجبه لأخلاقها وحبها وعفويتها وطيبتها، تعرفه على أصدقائها ويلعبون معا، في المقابل فإن ابنة الساحر شوك (لميس عباس) يكرهها الجميع لقبحها وأطباعها السيئة والتي تحاول اثارة  اعجاب الأمير بها وتفشل، وتعلم بإعجاب الأمير بورد، فتهرع لأبيها الساحر الشرير وليد الدبس أن يفعل لها سحراً يميل قلب الأمير ويجعلها جميلة، والساحر هنا يستقدم قوى الشر للقضاء على مملكة المحبة والسلام.

ومصادفة يلتقي الأمير خلال بحثه عن الأميرة التي سحرها الساحر وخطفها لمكان بعيد يلتقي الأميرة نورهان (ليلى بقدونس) في عودة مؤثرة لمسرح الطفل، التي تخبره بأنها تفتش عن ابنتها الضائعة منذ سنوات وتعلق على رقبتها الناي، يعلم الأمير أن ورد هي نرجس، وأخيراً يعثرون على نرجس ويسعد الجميع باللقاء بعد غياب وتختفي ابنة الساحر ويفشل الساحر في ألاعيبه نتيجة تضافر وتوحد قوى الخير على المحبة والتعاون والمساندة.

أهم ما يميز عروض الأطفال ويسعدهم خلال تواجدهم هو مشاركة الممثلين لهم وتفاعلهم معهم وادخالهم في اللعبة وسؤالهم بين الحين والآخر عن أحد ما أو اشراكهم بحدث مسرحي وهو ما فعله بعض الممثلين الذين اتيحت لهم أدوارهم التدخل مع الأطفال والتفاعل معهم.

العرض مفعم بالأغاني التي كتبتها فاتن ديركي ولحنها الموسيقار أيمن زرقان كما وضع موسيقا المسرحية التي أغنت العرض ورافقت الرقصات التي أدتها فرقة ميرال للرقص.

في قناعة المخرج بدوي انه علينا الانتقال الى مسرح آخر مدعوم بالإمكانيات الفنية والتقنية والبصرية تساعد على تقديم مسرح غير تقليدي وغير فقير لا يعتمد فقط على ديكور بسيط وأغاني بل يعتمد أشكال الفرجة بكل تنوعاتها وصولاً إلى مسرح جاذب ممتع للطفل، وهو ما حاول استغلاله في عرض مسرحية  "نرجس" من خلال الخلفية الكبيرة التي تعطي انطباعاً بمكان الحدث، الغابة، البيت، .. الخ، بفضاء فارغ كلياً تُتيح للممثلين التحرك على الخشبة والتعامل بحرية مع الفضاء المسرحي.

ليست البساطة ميزة مسرحية كما ليس الابهار كذلك فالموضوع يأتي من محاولة إيصال الفكرة بأي شكل ممكن وجميل تمثيلاً وإضاءة وديكورا وحكاية وموسيقى وهذا ما حاول طاقم عمل مسرحية "نرجس" ايصاله للناس وتقديم عرض جاذب ممتع مفيد.

الكاتبة فاتن ديركي في "نرجس" أرادت أن تقول ان الجمال الحقيقي يتجسد في الجمال الداخلي وطريقة تعامل الإنسان مع المحيط والناس من خلال شخصية الفتاة نرجس التي تحمل قلباً مليئاً بالحب والعطف على من حولها، بينما شوك ابنة الساحر على النقيض منها، إذ لا يمكن قراءة قبح ابنة الساحر الشرير على اعتباره قبح شكلي والا كنا ذهبنا بذهنية الطفل نحو اشكالية أخلاقية غير مبررة، القبح هنا في الداخل، في محاولة إيذاء الآخرين والاستحواذ، في محاولة استخدام قوى السحر والشر للقضاء على الخير والخيرين، وفي المآل الأخير سواء توجهنا للطفل أم للكبار فلا يمكن قراءة الشر كفعل مطلق ولا الخير كذلك فالبشر كائنات أكثر تعقيداً وغموضاً.

وبذلك تقدم المسرحية قيماً تربوية هادفة تعزّز شعور المحبة في النفوس، المحبة التي هي وسيلة الانتصار على الشر وتجاوز صعوبات الحياة ومتاعبها.