عيد الغدير.. وجهتنا نحو الإنسانيَّة
ذوالفقار يوسف
اغمض عينيك، قل اسمه همساً، اقتبس النور من لفظه بشفاهك، اعتنق قدسيته بإيمان مطلق لا تردد فيه، ردد اسمه فقط.. علي.. علي، فكم رافقنا هذا الاسم طيلة حياتنا، إذ وجدناه في الولادة، وعند القيام، وعندما توجب المناجاة، يخلق في أذهاننا الإمام، عند الصلاة، عندما يقبل المحتاج، حينما يطرق باب، في أصابع جداتنا الأوليات، عند قربنا من الله ورسوله الكريم، في عباءات أمهاتنا، ها نحن نقابله في كل حقبة من حياتنا، لنرقد في النهاية إلى جانبه، فمن منا لا يحب علي.ويظهر يوم غديره الأغر على قلوبنا لا ليذكرنا بما هو له، وما هو بالنسبة لنا، كلا، فهو أقدس من أن تقيد ذكراه الأيام، إنه قشعريرة السلام التي انبثقت فينا يوم ولدنا، كيف لا وها قد رفع يداه الرسول ليحاج الناس به، صارخاً فيهم "من كنت مولاه هذا علي مولاه".
وتمر علينا هذه الأيام لتسرد واقعة اعتبرت من أهم الوقائع الإسلامية في حياة المسلمين، فقد أبلغ رسول الله محمد (ص) بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة له وإماماً للمسلمين، وكان ذلك بعد عودة الرسول من حجة الوداع وتوقف قوافله في منطقة تدعى بغدير خم، لتختتم هذه الواقعة بمبايعة الإمام علي عليه السلام من قبل الصحابة والحجاج جميعاً ممن حضروا في ذلك المكان.
الشيخ عادل الجوراني يؤكد لـ (الصباح)، بأن "قال تعالى في سورة المائدة: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إن اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ)، ومن خلال هذه الآية الكريمة التي نزلت على الرسول الكريم محمد (ص)، وفي ذلك التوقيت الإلهي ومن ذلك نستدل أن هذه الآية الشريفة التي نزلت إبان عودة الرسول من حجة الوداع وقد مضى على دعوته الإسلامية أكثر من عشرين عاماً، وأمام الألوف من الناس وبعد تبليغه برسالته وشرائعه، يؤكد لنا أن يوم الغدير وعيد الغدير هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين والمؤمنين بتنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يوم عظيم يحتفل فيه المؤمنون، ويفرحون فيه، وذلك للأدلة التي وردت في فضله وعظمته
وأهميته".
ويردف الجوراني "بعد أن أعلن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام أمام كلّ تلك الحشود في غدير خمّ، وبذلك تمّت النعمة، وكمل الدين بولاية سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام، نزلت بعد ذلك آية إكمال الدين وتمام النعمة، لتعلن ذلك اليوم عيداً للولاية، فقد قال تعالى في سورة المائدة: (اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (6)".
وتابع الجوراني "تأتي الأخبار لتبلغنا عن هذا العيد وأهميته ومنها قول السيوطيّ في الدرّ المنثور: أخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، عن أبي هريرة قال: لمّا كان يوم غدير خمّ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فأنزل الله (اليَوْمَ
أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)".
عاشق
يعترف علي الأسدي (17 عاماً)، بخيبته لقلة معرفته بالتاريخ الإسلامي، فهو يؤكد أنه غير متعلم، ومع ذلك أجابنا عندما سألناه عن هذه المناسبة ليبتسم ويقول: "إنه علي بعد عيني"، ويكمل "كيف لي ألا أعرف عيدنا، ولكنني أعرف عن إمامي أكثر، فهو سندي حيثما ذهبت، لا يفارق اسمه شفتي قط، إني أعرفه بروحي، كأنه صديق لي في زمن ما، أحدثه أحياناً وأطلب منه الشفاعة أمام الله عز وجل، فهل سيرد الله حبيب الرسول (ص)، عرفته بقوته عندما سمعت بخلعه لباب خيبر، وبإنسانيته في مساعدة المحتاجين، فاسمه يتغير بتغيير صفاته، ككافل اليتيم، مرة، وكسيد المتقين مرة أخرى، عرفته ببلاغته التي شهد بها رسول الله كباب للعلم، وفي حين آخر عرفته بعدالته
وحكمه".
يضيف الأسدي "من منا لا يعهد هذا العيد ويتذكر ذلك الإنسان الملاك، يا أخي ما لعبد فقير أن يعرف عن ذلك القديس، غير العشق! ".
عيد الله الأكبر
ويبدع التاريح في سرد هذه الواقعة التي تمر عبر نفوسنا، لتؤكد لنا من هو علي (عليه السلام) من كل الدنيا وما فيها، ومن هو بالنسبة لله العظيم، ورسوله وخاتم الأنبياء محمد (ص)، عندما أمر لينادى في الناس ليصلوا الجماعة، وما إن اجتمعوا إليه، ومع شدة الحر في ذلك اليوم فقد هام المتواجدون ليخلقوا الوسائل لتخفيف الحرارة، منهم من وضع رداءه على رأسه وآخر تحت قدميه، وما إن اجتمعوا ارتقى الرسول الكريم على ذلك التل حتى وصل قمته، فنادى علياً(ع) ليصعد بقربه، وبعد أن خطب الرسول (ص) خطبة بليغة ووعظ الناس ونعى الأمة الإسلامية نفسه ثم قال: "معاشر الناس، إن الله أوحى إليّ يقول: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ)).
وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: أن جبرائيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أن علياً بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي على اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم، فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل
موحّد.
وأكمل الرسول "معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه ـ إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)".
وظل رسول الله يقول معاشر الناس، حتى وصل إلى قوله: "معاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الذي قلت، وسلّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. معاشر الناس، إن فضائل عليّ عند الله عزّ وجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه، معاشر الناس، من يطع الله ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا
وأيدينا.
ثم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى بأعلى صوته ويده في يد علي (عليه السلام) وقال: "يا أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟".
قالوا بأجمعهم: بلى يا رسول الله.
فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضبع علي (عليه السلام) حتى رأى الناس بياض ابطيهما، وقال على النسق من غير فصل: "فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد".
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة