الحياة بوصفها رواية

منصة 2023/07/06
...

  ضحى عبدالرؤوف المل
نختبر روابط الحب ومقاييسه الصعبة في رواية {كومنولث} للروائية {آن باتشيت} والصادرة عن {دار المدى} في قصة جمعت بين عائلتين ربط بينهما القدر، لنواجه المصادفات في استكشاف يمتد من الصفحة الأولى من الرواية حتى الصفحة الأخيرة حيث لا يمكن فصل العلاقات بين الأفراد بمجرد الطلاق أو بمجرد نهاية علاقة بين زوجين.
فالروابط تمتد والعلاقات الأسرية هي النكهة الوجودية انسانيا التي تبقى محملة بذكرى علاقة نتج عنها الأبناء، وهي المشاعر الحقيقية التي تبقى انسانيا بين اثنين نتجت عن علاقاتهما وجود الأطفال الذين يحتاجون للعاطفة والحب والرابطة الصحية. لينشأوا بمعافاة وفق الزمن الذي كُتبت فيه الرواية. فالأسرة الحديثة لم تعد بعيدة عن مشكلات نهاية العلاقة بين الزوجين، وحطام الاسر الذي ينجم عنه الكوارث والروايات أو القصص المستمرة في الحياة، ولا بما وصفته "آن باتشيت " المرأة غير الذواقة باختيار رجل يشاركها تفاصيل حياتها ويمنحا بعضهما الحب، لتوحي بسوء اختيار المرأة لشريك الحياة، وهذه نظرة لا مغالاة فيها، فالحب يعمي ويُصم غالبا "كل ما حدث في حياتنا إلى اليوم كان يجب أن يحصل بالطريقة التي حصل فيها لكي نكون معا". فهل الشخصيات الكثيرة في الرواية تهدف إلى الارتباط الشديد بين الأسر التي تتشابك فيما بينها بسبب الأولاد وتعدد علاقات الحب عند الرجل أو المرأة؟ وهل السلوك البشري يبعث على الحيرة ويحمل في تتبعه الكثير من الحكمة الإنسانية إن صح القول؟ وهل معرفة القصص العائلية تدفع بنا للارتباط عاطفيا بالشخصيات التي نتشارك معها الحياة؟ أم هي عقدة روائية لا يمكن الفكك منها، حتى لو انهى القارئ هذه الرواية؟ أم هي رؤية الكاتب وهو يصطاد الفكرة التي تتشكل منها روايته؟
تتكون رواية "كومنولث"  من أبناء العم وأطفالهم الذي يشكلون الرابط الفعلي الذي لا يجب قطعه بعد انتهاء قصص الحب او حتى بعد الخيانة من الزوج أو الزوجة ، فقساوة الحدث عاطفي نتج عن قبلة أخرجت كل من الزوجين من دائرة الترابط الأسري عبر الخلل الذي حدث بسبب عاطفة، ربما هي عابرة، وربما هي متأصلة في نفوس بعض البشر الأكثر تعقيداً من عقدة روائية شددت على الأبوة والأمومة والقرابة، والمودة ، والكره، والبغض، والتنافس بين العشيقات، والنسيان ، والكبت ، وهذا دور الأدب حقيقة في تسليط الضوء على متناقضات الحياة الأسرية في مجتمعات كنا نحسب أن لا ترابط أسري فيها لهذه الدرجة . فإذا كانت العائلة هي الأب فأين هي الأم من كل ذلك، وإن كانت العائلة هي الأم أين الجد والجدة، وحتى الأولاد الذين يحتاجون لرعاية كبيرة وهم في طور النمو المعرفي والسلوكي، والاحتياج العاطفي بينما الأجواء الأسرية بشكل عام مسمومة انسانيا. فهل يمكن أن نتخيل حياة الآخرين لهذه الدرجة دون خيوط الواقع الذي يشعر بمرارته القارئ؟ وهل الإتاوات المستقبلية هي جزء من الفشل الأسري الذي رسمته "آن باتشيت" عبر ليو الذي يرفض بشكل قاطع التخلي عن أي عمل لم يكتبه بعد؟ وهل يتابع الكاتب حيوات الأشخاص في محيطه لتكون مادة روائية دسمة؟
تلعب الأسرة دورا كبيراً في بناء الذات ، كما أنها تشكل الدائرة الأساسية التي يخرج منها الفرد انسانا أو وحشا، فديناميكيات التشابه والاختلاف بين الخيال والواقع في رواية "آن باتشيت" هي الحبكة الفعلية في الرواية، ولا يعني ذلك أنه لم يكن هناك أي مشكلات: هناك المستقبل، المجهول دائما لكن، بالنظر إلى الواقع، المحكوم لقدر معين يفارق الاثنين والثلاثين بين سنيهما، والماضي، لأن ليو ما زال عمليا متزوجاً ، وزوجته في لوس انجلوس متمسكة بحقها في جزء من الإتاوات المستقبلية، ولا يمكن التخلي عن الرواية التي تعني الكثير للكاتب، كما تعني لصاحب الأمر المتخفي خلف ليو الكاتب الذي لديه زوجة سابقة مطلقة تماما، ويدفع لها نفقة كبيرة كانت تكلفه ثروة، وتحتاج ابنته من زواجه الأول إلى المال، وأيضا ابنان من زواجه الثاني . فهل فعلا ابطال الكاتب من الواقع لا يراهم أحداً؟ وهل حياة الكاتب بحد ذاتها روايات تتجزأ إلى فصول لكل منها حبكة خاصة؟ أو أن بعض قصصنا نقرأها في الكتب فندرك أهمية الرواية؟