ماذا لو انهار الانترنت؟
روبن لايتون
ترجمة د. فارس عزيز المدرس
تبدو الحياةُ بدون إنترنت غير قابلةٍ للتخيّل، وإذا حصل ذلك فستكون حياتُنا اليومية في خطرٍ عظيم، نعم قد يبدو الأمرُ مستبعداً؛ لكنْ لننظر ماذا يحدث في ما لو توقّف الإنترنت ليوم واحدٍ فقط؟
حجم الاستخدام
على الصعيد العالمي يتمتّع أكثر مِن نصف العالم بإمكانية الوصول إلى الإنترنت، ووفقاً لتقرير صادر عن لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) نهاية عام 2019 فإنّ 94 بالمئة من الأمريكيين يتمتّعون بإمكانية الوصول الانترنيت؛ وبسرعات تنزيل/ تحميل = 25/3 ميكابايت في الثانية، وهذا ضمن خدمةِ النطاق العريض الثابت؛ فحسب.
لم يمض وقتٌ طويلُ على العيش في عالمٍ خالٍ من الإنترنت، وقد جرى إطلاقُ الإنترنت في أبسط أشكالِه رسميا عام 1983، وانتشر عام 1989 عندما اخترع تيم بيرنرز شبكةَ الويب العالمية، وأطلق أولَ خادمٍ له عام 1990، وهكذا بدأ الإنترنت بالتطور؛ كما نعرفه اليوم.
في عام 1995 كان أقل مِن 1 بالمئة من العالم يستخدمون الإنترنت، واليوم وصل إلى 63 بالمئة. ووفقاً لتقرير صادر عن Statista فإنَّ 91 بالمئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة يستخدمون الانترنت، ومِن المتوقّع أنْ يرتفع الرقمُ إلى 95 بالمئة بحلولِ عام 2027.
غيّرَ وباءُ كورونا مشهدَ استخدامِ الإنترنت؛ ودفع ملايين الأشخاص إلى البقاء في منازلِهم؛ للعمل والدراسة والترفيه، وبدأ الأمرُ اضطرارياً؛ إلا أنه حمَل الناسَ على التعوّد مِن جهة؛ وعلى الشعور بخطورةِ شبكة الانترنت وحيويتها في حياتهم من جهة أخرى. وعلى مدى العامين الماضيين أصبح الإنترنت مُتغلغلاً في نسيج مجتمعنا، فكلُّ شيءٍ من البنوك والمدارس والجامعات إلى الجيش والصحة والمواصلات والمكتبات صار يعتمد على الإنترنت اعتماداً شبه كلّي.
لكن تخيّل: ما الذي سيحدثُ في حالِ انهارت الإنترنت ليومٍ واحدٍ فقط، لا سيما في الدول الأكثر تقدماً واعتماداً على العالم الرقمي؟ أمّا مجتمعاتُ الدولُ الأدنى تقدّماً، فالمشكلةُ أقلُّ خطورة، وقضية انهيار الانترنيت لديهم تتعلّق في الغالب بانقطاعهم عن مواقع التواصل الاجتماعي والترفيه؛ وبطاقات الرواتب التي يمكن تعويضها يدوياً؛ لكنْ لا ننسى أنّ الإدمان على مواقع التواصل يشكّل لهم مشكلةً نفسيّة واجتماعية أخطر مما نتوقع، بينما هو يؤثر تأثيراً مصيرياً في البلدان الأكثر تقدماً؛ نظراً لتغلغلِ الانترنيت في مرافق الحياة.
من الخطأ الخلطُ بين انهيار الانترنيت بوصفه صفَحاتٍ تحتوي على بيانات ومواقع تواصل، وبين انهيار (خدمات الانترنيت)، أي انهيارُ الخدماتِ التي تقدّمها الشبكة العنكبويتة لنشاطات أخرى؛ غير التصفح والتواصل الاجتماعي وقواعد البيانات.
الملايين من سكان شمال أريزونا اكتشفوا الإجابة على هذا السؤال؛ ففي أحد أيام شهر فبراير عام 2015 توقّف الإنترنت عن العمل لديهم؛ إذْ جرى - عن عمَدٍ - قطعُ كابل الألياف الضوئية؛ الذي يغذّي شركاتِ النقل والخدماتِ؛ مِن لدن مخرِّبين؛ ما أدى إلى إيقاف الإنترنت والهاتف لمئات الأميال. في ذلك الوقت توقّفت بطاقات والائتمان؛ وأدّى إلى إغلاق الشركات، والانتقال إلى المعاملات النقدية، وصارت الهواتفُ المحمولةُ عديمةَ الفائدة، لذلك لم تكن هناك رسائل نصية أو مكالمات، لم يكن هناك حجزٌ لرحلاتِ الطيران.
أمّا مكالماتُ الطوارئ فهي أيضاً في خطرٍ جسيم؛ لاسيما على مستواها الأمني. فكما ذكرتْ شبكة سي بي إس نيوز: فإن خدمة الطوارئ 911 جرى التعويض عنها بأجهزة راديو محمولة. ولم تتمكن السلطات من الوصول إلى قواعدِ بياناتِ تطبيق القانون. وأغلقت الشركات التي تعتمد على الاتصال الشبكي للإنتاج؛ وأرسلت موظفيها إلى منازلهم.
المصارف
في أبريل 2022 أفادت شركةُ Bankrate بأنّ 44 بالمئة مِن عملاء البنوك يستخدمون تطبيقات الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول؛ لإدارة حساباتهم وهي الطريقةُ الأكثر استخداماً للتفاعل مع المؤسسات المالية. والخدمات المصرفية عِبر الهاتف المحمول أمرٌ منطقيٌّ للمستهلكين؛ إذ لماذا تضيّع وقتك في طابورٍ لإيداع شيك؛ بينما يمكنك القيامُ بذلك مِن منزلك في أيِّ وقت، وفي هذه الحالة ستكون جميعُ المعاملاتِ المصرفية والتسوقية عن بعدٍ مُعطلةً تماماً.
المستشفيات
أحدث تقدمُ التكنولوجيا الرقمية ثورةً في الرعايةِ الصحية، وعلى سبيل المثال يعني التطبيب عن بُعدٍ: إنّ مرضى السكتة الدماغية مثلاً يحتاجون إلى علاج منشط (البلازمينوجين النسيجي)، ويمكن أنْ يراهم الطبيب إلكترونيا، ويصِف لهم الدواء في أقربَ وقتٍ، ويكون لديهم فرصُ شفاءٍ وتحسّن. والسجلاتُ الطبية الإلكترونية (EMR) تعني تمكين المرضى من الوصول الفوري إلى سجلاتِهم الطبية وإعلامَ فريق الرعاية بها. لكن ماذا لو تعطّلت هذه الأنظمة؟.
في أيار (مايو) 2019 عندما انقطع الإنترنت في مستشفىPhoenix Hospital لعدةِ ساعات تم الإبلاغُ عن تعطل جميع الأنظمة، وتعذّر الوصولُ إلى سجلات المرضى، لكنْ لحسن الحظ لم يستمرْ الانقطاعُ سوى بضع ساعات، فماذا لو استمرَّ لأيام أو لأشهر.
الجيش
تعتمد العديد من العمليات العسكرية على شبكاتها المستقلة؛ ومع ذلك فإن بعضَ الاتصالات الإلكترونية وعمليات نقل البيانات تتمُّ عبر الإنترنت، وفقدانُ الاتصال ليومٍ واحدٍ مِن شأنه أنْ يجعلَ استخدام الجيش للإنترنت قد عفا عليه الزمن، ويُعيد القدراتِ العسكرية فعلياً إلى الوراء ثلاثين عاما أو أكثر، ويكلف البلاد ملايين الدولارات.
الخدمات
نظراً لأنّ البلدانَ تقوم بترقية أنظمةِ المرافق الخدمية يلجأ الكثيرون إلى أنترَة هذه الأنظمة للمساعدة في تحسين العملياتِ الخدمية؛ وعلى سبيل المثال يعتمد العديدُ من مرافق معالجةِ المياه الآن على أجهزةِ استشعارٍ ذكيةٍ ونظامٍ مترابطٍ يعتمد على الإنترنت؛ فقد جرى ترَقي الشبكات الكهربائية القديمة إلى شبكات ذكية؛ تستخدم تقنياتِ الاتصالات الرقمية؛ لتعملَ بشكلٍ أكثر كفاءة، مثل إرسال المزيد مِن الطاقة إلى منطقة مُحمّلة بشكل زائد، وتتبع الاستخدام عبر العدادات الذكية. وقد أعلن ديفيد كينيدي الوكيل السابق لوكالة الأمن القومي أنّ هذه الأنظمة ستكون معرضة - في حال وقوع هجوم إلكتروني - إلى دمار كامل.
نعم بالفعل كان هناك عدد من الهجمات على بنيتنا التحتية، مصدرها كلٌّ من كوريا الشمالية وروسيا وبلدان أخرى، بهدفِ الحصول على موطئ قدمٍ في شبكتنا، وفي حالةِ حدوث صراع فيمكنهم إغلاقُ بنيتنا التحتية بالكامل، فحينها لن نكون قادرين على الاستفادة مِن أي تقنية، وسيكون انهياراً كارثياً.
احتمالُ تعطل الإنترنت؟
مِن غير المحتمل أنْ تُدمرَ شبكةُ الإنترنت العالمية بشكلٍ شامل، والسيناريوهاتُ التي قد تؤدي إلى انقطاع الإنترنت على كوكب الأرض قد تحدُث بسبب اصطدامِ كُويكبٍ أو هجومٍ إلكتروني واسع النطاق في جميع أنحاء العالم، أو حرب نووية عالمية؛ أو انفجار شمسي ساحق، لماذا؟ لأنَّ الإنترنت ليس مجردُ جهازِ كمبيوتر مركزيٍّ واحد يمكن لأيِّ شخص فصلُه في أي لحظة؛ بل هو شبكةٌ واسعةُ النطاقِ؛ وغير مركزية مِن أجهزة الكمبيوتر والآلات؛ تمتدُّ عبر الكوكب.
انقطاعاتٌ مدفوعة سياسيا
في جميع أنحاء العالم عانت العديدُ من البلدان من عمليات إغلاق الإنترنت سياسياً، مما أثّر في أعمالِها التجارية وأنظمتِها التعليمية والصحية، ففي عام 2021 وثقتAccess Now وهي منظمة غير ربحية مهمتها الدفاع عن الحقوق المدنية الرقمية وتوسيع نطاقها للأشخاص في جميع أنحاء العالم؛ وثَّقتْ (182) إغلاقاً للإنترنت في (34) دولة مِما أثَّر في الأعمال التجاريةِ والتعليمِ والشؤون المالية والرعاية الصحية.
يقول بول ليفينسون الخبير والأستاذ في جامعة فوردهام: سيكون مِن الصعب انهيارُ الإنترنت بالكامل، بناءً على نظريةِ أنظمةٍ مُهمٍ يُسمى (التكرار)؛ إذ هناك العديد مِن أنظمة النسخ الاحتياطي، والعديدُ مِن الحلول البديلة، والطرق المختلفة للانتقال مِن النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، وكلُّ هذه الأنظمةُ ستعمل عِبر الإنترنت على الفور؛ وبشكلٍ تلقائي؛ في حال فشل النظام. وهذا التعويضُ بلا شك لن يكون بمثل الكفاءة المنشودة، وربما سيعالج الحالةَ لدينا، أمّا البلدان الأخرى فستعاني مِن تبعات ذلك الانهيار.
الحلول
هل يجبُ أنْ نقللَ مِن اعتمادنا على الإنترنت؟ على الأغلب لا. فعلى الرغم من وجود مشكلات محتملةٍ مع أي تقنيةٍ فهناك الكثيرُ من الاجراءاتِ يمكن الاستفادة منها للحدِّ من مخاطر انهيار الانترنيت؛ إذا حصل وتحت أيِّ مُسبب، وأولها وجود (شبكات أنترَنت) بفتح التاء، أي شبكاتُ ويب داخلية للمؤسسات. وبدلاً من تقليلِ الاعتماد على الإنترنت يشجّع الخبيرُ Dutton المؤسساتِ والأشخاصَ على زيادةِ قدرتهم على الصمود؛ في مواجهة المشكلات المحتملة، وذلك تأنْ يكون لديهم نسخُ احتياط لبرامجِهم وبياناتهم وملفاتهم وسجلاتهم في حال تعرّض شبكة الانترنت للانهيار.
وبالمحصلةِ يحتاج الجميعُ إلى تحمّل المشكلات التي ربما تحدث في أي وقت، ولكن لا يجب الخروجُ من العصر الرقمي، فالقضيةُ ليست اختيارية، ولو جرى الخروجُ مِن العصر الرقمي (وهو أمر مُستبعَدٌ في الحالاتِ العامة)، فسيصاحبُ هذا أو يعقبُه خرابٌ واسعُ النطاق. أمّا الذين ليست لهم احتياطات مناسبة (أفراداً كانوا أم مؤسسات)، فلا شك ستعمّ الفوضى لديهم، ويقعون في مشكلات لا حصرَ لها.