بغداد: مآب عامر
أفلام الإنترنت التي تعنى بمحاكاة الواقع النفسي والبيئة الاجتماعية، وكذلك أسلوب الغموض والإثارة دوما ما تلاقي رواجها، فبعد الحروب والبشاعة الإنسانية والكوارث وطرق القمع وفنون التعذيب، بالرغم من بساطة الفكرة وتكرارها المتواصل في طرح الحبكة وأساسها، إلا أنها لا تزال تجذب أكبر قدر ممكن من المتابعين والمشاهدين، حتى في
الكتب.
في فيلم "المنصة" الإسباني، الذي من إنتاج العام 2019 ومن إخراج "غالدير غاستيلو أوروتيا" وبطولة "إيفان ماساغي" وعرض لأول مرة في مهرجان "تورونتو" السينمائي الدولي، وفاز بجائزة "خيار الشعب" وجائزة "جنون منتصف الليل"، يستيقظ شاب يدعى goring، داخل سجن عامودي الشكل، وفي منتصفه فوهة مربعة، مهيأة لنزول منصة الطعام، المنصة تتوقف في كل غرفة لثوانٍ قليلة، وعلى السجين تناول الطعام خلالها.. المثير في الأمر أن أعداد الغرف بالمئات ومنصة الطعام واحدة، وأن كل غرفة تحتوي على
شخصين.
تركز أحداث الفيلم على أن قلة الطعام وانعدامه في مكان مثل السجن، مشكلة قد تدفعك إلى تناول بقايا سجناء كانوا قد هجموا على الطعام بطريقة غريبة بعد تجويعهم، حيث تقر سلسلة الأحداث بعمق، مدى اختلاف رؤية السجناء تجاه الحبس والحياة بصورة عامة، وتكشف انعكاسات ذواتهم الغرائزية من خلال قوانين السجن، فإن الأخير يسمح بأخذ السجين أو النزيل غرضاً محدداً معه يرافقه حتى انتهاء مدة الحبس.
يولد الفيلم صراعاً داخل زنزانة واحدة.. رجل مسن اختار السكين، أما الشاب فقد اختار الكتاب، من جانب المسن، فهو قد اختار النجاة لأكثر وقت ممكن خلال محكوميته، وأنه لا وسيلة للحفاظ على سلامته ووجوده سوى العنف، حتى لو كان عبر القتل، أما الشاب فقد ظن أنها فترة سجن وحسب، وأن كل ما يحتاج إليه هو أن يقضي وقته بصحبة الكتاب.. لأنه ببساطة لا يحتاج إلى العنف. بعد أن أصبح الاثنان رفقاء زنزانة واحدة، وتحديداً بعد تغيير المكان، وهبوط السجينين إلى الطوابق الأخيرة، حيث لا طعام هناك، ستتساءل بسرعة: أية فلسفة ستنتصر.. الكتاب أم
السكين؟
فكرة الفيلم هو أن الفرد أو المجموعة هم من يشكلون واقعهم ويخلقون بيئتهم المحيطة بحسب عقليتهم "أفكارك تصبح واقعك"، لذا، فمن البديهي داخل السجن أو المعتقل سيتحقق "البقاء للأقوى"، لكن من دون استيفاء شروط الخروج، وهذا يظهر لنا أن اللغز الذي أراه هنا يتمحور حول فكرة، أن تتواجد في مكان أو في موقف تشعر فيه بالخطر قد لا يعنى بالضرورة اللجوء إلى العنف أو القتل لتحافظ على سلامة وجودك، وهذا قد يكون حل اللغز الذي يقع دوره على عاتق صاحب الكتاب، فقد تعمد المخرج هنا إلى إرفاق القوة بعامل الرحمة، لنعود إلى النقطة الرئيسة وهي الحاجة والرغبة عند الإنسان، وأيهما سينتصر بالأخير، وما يحدث في الطريق هو ما يجب أن يكون كحبكة درامية، مع إمكانية ازالة نظرة الشر عنها، ورؤية الخير وهو يستغل الشر وينعكس عليه، وبمعنى أدق "ايجاد الحل بطريقة شريرة".
وأتساءل من منا الآن لا يعلم أو لم يتابع فيلم "هانيبال العظيم".. هانيبال ليكتر الطبيب النفسي القاتل، الذي يعتبر من أشهر الشخصيات الخيالية آكلة لحوم البشر، إذ كان له ذائقة وقدسية بالتعامل مع طعامه، وقد عرف أول مرة عام 1981 في رواية الإثارة "التنين الأحمر" للكاتب توماس هاريس، وتمَّ اختيار دور هانيبال الشرير الأول في تاريخ الأفلام السينمائية عن معهد الفيلم الأمريكي شخصية هانيبال ليكتر، وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في هذا الفيلم.. وغيرها الكثير من الأعمال التي ادخلتنا في مدى بشاعة النفس البشرية، ونزوحها نحو الشر واختارنا للعنف كوسيلة للاستمرار.