ما الغاية من الافتراء على الآخر وتلفيق الأكاذيب؟

منصة 2023/07/23
...

 مآب عامر 

من قال هذا الكلام، ومن أطلق هذه الشائعة عليّ؟ دائما ما نسأل أنفسنا عن عبارات وقصص غير حقيقية أو منطقية نسمعها بحقنا وعن حياتنا الشخصية أو ربما العملية، نحاول نفيها أو الاعتراض عليها، وقد يصدقنا البعض من الذين يشككون بها، ولكن الأغلبية يجدون ما يطلق من شائعات ربما حقيقة، لهذا نفضل التجاهل أو التجاوز ولكن هل الجميع يتمكن من التجاهل؟ والأهم من كل هذا هو لماذا يحدث ذلك، وما الغاية من الافتراء على الآخر عن طريق تلفيق الأكاذيب أو التهم، سواء في حياتك الدراسية أو العملية أو الوظيفية؟

منافسة غير شريفة

ويقول الشاعر عباس ثائر إن "الإنسان لكائن معقد وعجيب، يطمئن -أحيانًا- ويهدأ إذا ما رأى غيره يئن ولمْ يهجع لضراوة ما لحقه من أذى، وهذا ما يتفشى -في أيامنا هذه- عميقًا في مجتمعاتنا، واسمحي لي أن أقول مجتمعاتنا البدائية، والمجتمعات التي ترعرعت في كنف الأنظمة الشمولية الدموية، وكذلك المجتمعات التي نزعت عنها القيم والأخلاق لتواكب غيرها من المجتمعات، إلا أنها أخطأت طريق المواكبة وسقطت في فخ التخلف، فالمجتمعات التي وطأت أرضها الحكومات الديكتاتورية، وكانت حكوماتها إذا ما أرادت أن تُسقط شخصًا ما في القاضية تفتري عليه وتُلفق له تهمة ما ليصبح اعتقاله قانونيًا، كما حدث لكثير من الأدباء والمفكرين وسواهم في عهد الاتحاد السوفياتي في روسيا، وفي العراق في العهد الصدامي والقومي، بل وحتى العهد الملكي، لم ينجُ المختلفُ أو المعارض من الاعتقال وذلك بأن تُسند لها تهمة جاهزة، وبالتالي ماهي إلا افتراء أشر".

ويضيف: عندما يعيش الفرد في ظل مجتمع كهذا، سمته أن يفتري، تجده يتطبع بما يفعله الاخرون، وهكذا تتكون العادة أيضاً والعرف، واستدل بما شاع في بعض المجتمعات أن الشعب الإيزيدي هم من عبدة الشيطان، بينما الحقيقة لا وجود لمثل الاعتقاد في كتبهم، وما هي إلا شائعة اعتاد بعض الناس ترديدها، كذلك ما حدث لفرج فودة الكاتب والمفكر المصري، الذي سُفك دمه بسبب شائعة وتهمة جاهزة، وحين سُئل القاتلُ لمَ قتلته؟

كان فحوى جوابه: إن فرج فودة كان مرتدًا كافرًا.

وحين حققوا مع القاتل وسألوه عن الكتب، التي قرأها لفودة وفي أي كتابٍ من كتبه وجده مروجًا للكفر والإلحاد على حد وصفهم، أجابهم القاتل: إنه رجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ولمْ يقرأ شيئًا من كتابات الكاتب الذي قتله.

نعم، هكذا تفعل الأكاذيب والشائعات، تُكلف الإنسان رأسًا.

ويشير عباس إلى أن جميعنا قد تعرضنا للافتراء والتلفيق والتهم الجاهزة، أو أنه سيتعرض في لحظة ما؛ أما حقدًا وأما منافسة غير شريفة، ولكن بإمكان المرء أن يتخطاها ولا يأبه، وعليه أن يتحلى بالحقيقة، لا يُجيب أو يرد التهمة الباطلة والشائعة بمثلها. 

بعد أن فاز باسترناك بجائزة نوبل عن روايته «دكتور جيفاكو» كان النظام الروسي آنذاك غير موافق على فوزه، لأنه أعتقد أن روايته تسيء للحكومة وللثورة البلشفية، فبدأت التهم والشائعات تتسرب من كلّ مكان، مما ساهم في أن يتنمر جمع كبير من الروس -حتى في الصحف- على الكاتب العظيم، بل وأُجبر على أن يعتذر عن إبداعه أيضًا. 

كذلك في الأوساط الجامعية، فأن الجامعات العراقية لمْ تكن هي الأُخرى بمعزلٍ عن هذه الكوارث المجتمعية -أصفُها بالكوارث وأنا مطمئن لوصفي إياها بالكارثة- مثلها مثل جميع الجامعات العربية، يُساء للمختلف ويرمى بشتى الأكاذيب مما يسبب له الحرج ويدعوه الى النفور من مجتمعه. وعن نفسي كنتُ قد نجوت من هذه الافتراءات والشائعات، إلا اللهم اذا كنتُ قد ذُقتُها ولا علم لي بذلك. 

ويقول إن الشائعات لتنتشر وتتفشى -أيضًا- بسرعة تفوق سرعة الضوء والصوت في «الأماكن الوظيفية -إن وافقتني اللغة- الدوائر والمؤسسات» هذه الأماكن هي بيئة حاضنة للشائعة والتهم والافتراء، وأن - كلامي هذا لا يخلو من التبعيض- والعجيب بالأمر أن الكثير من العاملين في هذه المؤسسات أو تلك الدوائر، هم بارعون بالانصات وبالحديث على حدٍ سواء، لديهم قدرة غريبة فائقة على الانصات والاستماع بتأن لكلّ ما يؤذي المرء ممن رُميَ بتهمة ما أو أُشيع عنه شيء ما، فتجدهم ينصتون كما لو أنهم ينصتون لموسيقى بتهوفن أو لأم كلثوم، أو للبورخيس وهو يقرأ قصيدةً، أو محاضرة جديدة يلقيها بينهم ابن خلدون، فيتلاقفونها -أي الشائعة أو الكذبة- ويبثونها بين أروقة المكان الذي يعملون فيه، تجد أن موظفًا راح يخبر زميله، كما لو أنه يبعث لرفاق النضال بمنشور سري تقتضي الضرورة ايصاله فورًا. 

ويسرد عباس كيف أن صادف إن حدث أمر معي من مثل هذا، بعد مباشرتي بالوظيفة بيوم واحد فقط، إذ اتصل بيّ أحد الموظفين وكان يعمل في مكان ما، غير المكان الذي أسكنه وأعمل فيه، ليسألني عما حدث معي، وكيف تعاملت مع الأمر، ويقول "لمْ أستغرب ولمْ أحزن، كنت أقدر هذا؛ فكلّ ما في الأمر أننا اعتدنا على أن نستمتعَ، ونحن تُقص علينا أوجاع الآخرين، نُسعد بالاستماع، ثم نتناقل الكلام ونحرفه أو أننا ننحلُ عليهم أقولًا أو أفعالًا لمْ تصدر منهم قط، الحقيقة نحن نُعجب كثيرًا - بعضنا أعني- بالقص والحكاية وسرد الأحاديث الكاذبة وتلفيق التهم وبث الشائعات، هذه متعة بعض الناس. وأخيرًا، حتى الأوساط التي هي واجهة الأمة، ومنها الأدبية والثقافية لمْ تسلم من هذه الآفة، آفة الشائعات وكيل التهم والأكاذيب، أنه مارثون الوصول".


أعداء وخصوم

أما القاصة ميرفت الخزاعي فتعتقد أن محاولة إطلاق الشائعات أو نشر الاكاذيب ضد أحدٍ أو مؤسسة ما، أو حزب أو طائفة أو فئة، هدفهما التقليل من تأثير ذلك الشخص، أو أولئك الأفراد أو تلك الجهة والرغبة في الانتقاص من شأنها، والطمع بإضعافها أو إزاحتها عن مكانها أو موقعها، وهذا بالتأكيد، كما تقول لا يأتي أو ينتج عن فراغ. 

فالنجاح والتفوق والتميز، بحسب ميرفت من الاسباب الأساسية التي قد تدفع بالبعض لانتهاج هذا الاسلوب واستخدام طريقة غير اخلاقية أو حتى غير إنسانية، والتي تنمُ عن ضعف في شخصية أو خلل في كيان مستخدمها والداعم لها والمشجع عليها.

وتضف: قد يكون نجاح البعض في جوانب الحياة المختلفة، وخصوصا المهنية سواء في (الأدب أو الثقافة بشكل عام أو الفن أو أي مجالٍ آخر)، سببا في صنع أعداء وخصوم لهم أو منافسين يشعرون بالغيرة والحسد منهم، وبالتالي قد يحثهم هذا لمحاولة اسقاطهم.

وتتابع: بصراحة لا أظنني تعرضت لمثل هذه السلوكيات أو الاساليب من قبل إحد ما أو ربما، كوني امتلك من الثقة ما يجعلني لا أعيرُ انتباها كثيرا لمثل هذه الأمور.

وتشير إلى أنه في ما لو حدث معي أو مع أحد مقرب مني، فالحل بالتأكيد سيكون بتجاهلها تماما والمضي قدما وإكمال المشوار في الحياة، وأن تجاوز الموضوع حده وسبب ذلك احراجا أو إزعاجا أو ضررا نفسيا أو جسديا أو مهنيا. فالافضل "اللجوء إلى القضاء أو الرد بطريقة تضمن الحفاظ على الكرامة والمكانة الاجتماعية أو الأدبية".


تشويه السمعة

ويقول الكاتب والصحفي داود الفريح، إن "الكتابة تُعبر عن ثقافة وأدب وأخلاق أصاحبها، لأنها مرآة تعكس خبايا النفوس واسرارها، ويمكن أن يعتمد علماء النفس، وحتى القراء الواعين على تحليل شخصية الكاتب من خلال كتاباته العامة، حيث يلجأ بعض الأشخاص والكتّاب من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة لإطلاق الشائعة والافتراء ضد الآخر عن طريق حياكة القصص وتلفيق الأكاذيب حوله، لأسباب ودوافع كثيرة منها أن يستهدف مطلق الشائعة تشويه سمعة الشخص آخر عبر بث الشائعات حوله، أو في محاولة لتغيير موقف الناس حياله، وقد يكون القصد منها هو إثارة المخاوف تجاهه لحجب حضوره الإعلامي أو الإداري أو حضوره الاجتماعي"، موضحاً: لأنه قد يكون مطلق تلك الشائعة منافساً حقيقياً لمنصب ما أو مكانة يبتغيها 

المشيع.

 والشائعات، بحسب الفريح، لاتنتهي عند الأفراد فحسب، بل قد تكون الشائعة منهجا تتبناه الحكومات الضعيفة من خلال جيوشها الإلكترونية للتغطية على فعل ما، عبر اشغال الرأي العام عن جوهر المشكلة الحقيقية، أو ربما منهجا تتبناه المؤسسات والمنظمات الثقافية والكيانات الحزبية بدوافع تسقيط الآخر.

 ويتابع: علينا أن نتعامل مع مطلقي الشائعات بحذر وتحليل واقعي لكل شائعة، حيث أن للشائعات آثارا نفسية وحسية بالغة، إذ بمقدورها القضاء على مجتمعات كاملة، فما بلك على مستوى شخص؟.

إن لم تُواجه من قِبل الأطراف الواعية، وتزداد خطورتها إذا كانت هُناك جهة ما تُزيد إسعار نار الشائعة طلباً لمُبتغياتها، فالشائعة ببساطة تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواب وقد يدعمها أحياناً بعض الجهلة، حتى تصل لمرحلة يصعب إبطالها أحياناً لتفشيها في المجتمع، كما أشار الفريح.

 ويقول: شخصيا تعرضت لذلك كثيراً في مجال عملي الوظيفي والصحفي، وكان ومازال ذلك يسبب لي أذى نفسي ومعنوي، حيث خسرت بسببه الكثير من الأصدقاء والكثير من المناصب الإدارية والأعمال الهامة، وكذلك سببت لي بعض الشائعات اقصاءً وتهميشا لدوري الفعال في مجالي المذكور.

"باختصار لأن وجودي كان يلغي حضور مطلق تلك الشائعات ومروجها"، وفقاص لتعبيره.