في مشروع سهير صوان الفني

منصة 2023/07/25
...

  دعد ديب   


الموسيقى لغة كونية ينتقل صداها بين البشر، عبر سيالة الشعور المحرك للمساحة الراقية من الإحساس الإنساني، الذي يلتقي فيها الناس كافة على اختلاف لغاتهم وانتماءاتهم وأماكن تواجدهم، لذا ففن الأوبرا الذي نشأ في الغرب إبان القرنين السادس والسابع عشر حيث انطلقت أول أوبرا "يوريديتشي" لجاكوبو بيري من إيطاليا عام 1600 كفن موسيقي مسرحي غنائي، باعتباره أحد ألوان الموسيقى الارستقراطية وانتقل في ما بعد إلى العالم العربي، وكان له اتباع ومريدون على الرغم من صعوبة أدائه وخصوصية جمهوره وندرة رواده. 

فعلى الرغم من اعتباره فنا وافدا على الذائقة المحلية والعربية، ولكنه انتزع حق الوجود واختط حيزَا مهمًا في تواجده في منطقتنا، فقد ظهرت الأوبرا في العالم العربي عام 1869 احتفالًا بفتح قناة السويس في زمن الخديوي اسماعيل، وفي عام 1969 أنشئت أول دار أوبرا عربية، وهي دار الأوبرا المصرية، وقد برزت أصوات كل من حسن كامي/ مصر/ ومحمد البكار/ لبنان/  من أوائل الأصوات المؤدية لغناء الأوبرا، حيث إن الصوت الاوبرالي له ميزة  تعدد الطبقات وتنوع الترددات وتباين النقلات من مستويات منخفضة للصوت إلى مستويات عالية جدًا، أو ما يطلق عليه السوبرانو وخصوصية التنقل كذلك بين المقامات الموسيقية.

عرفت الأوبرا بوصفها مسرحية غنائية أو نصا دراميا مؤدى من قبل مغني أو أكثر بمصاحبة ﺍﻟموسيقى، ويتطلب أداءها قدرات عالية ومتقنة في طبقات الصوت ونقلاته وتجمع بين الغناء والشعر والباليه والتمثيل بحالتيه الإيمائي الصامت والمحكي، تبعًا لموضوع وأنواع الأوبرا الجادة وشبه الجادة والهزلية والرومانسية وأوبرا الباليه والأوبريت، بالإضافة لاستعانته بالفنون التشكيلية والديكور وبالطبع يحتاج لتجهيزات فنية خاصة، إذ يمنع استخدام الميكرفون، الأمر الذي يتطلب إعدادات خاصة بدور الاوبرا تكون مجهزة لهذا الغرض. 

وقد كان لحضور الصوت الأوبرالي النسائي دورٌ لافت في العالم العربي مثل سوسن البهيتي من السعودية؛ وزينة برهوم من الأردن؛ أماني الحجي من الكويت؛ أميرة سليم من مصر؛ هبة قواص من لبنان؛ وسهير صوان من سوريا، ومع سهير كانت لنا وقفة مع تجربتها الفنية، وهي عضو مؤسّس ضمن فرقة "فرح" الموسيقية لاتحاد الشباب الديمقراطي، ومدربة موسيقية في مركز "المخلّص" في الهيئة اليسوعية لإغاثة اللاجئين، كونها حاصلة على شهادة معالجة بعد الصدمة من جمعية الكتاب المقدّس عام 2017، حيث إن عملها تابع لفريق الدعم النفسي الاجتماعي، للإعاقات الجسدية، والصدمات النفسية من خلال العلاج عن طريق الموسيقى "الدمج" بالإضافة لقيامها بالتدريس كلّية التربية الموسيقية في محافظة حمص، ومشاركتها كمغنّية صولو وكورال في الأوركسترا "الشرقية والغربية" للكلّية ذاتها.

 وقد حظيت صوان باهتمام جمهور مدينة حمص على مسرح قصر الثقافة حيث أدت مؤخرًا الغناء الأوبرالي مع الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان "سليمان مامو" لمقطوعة "زواج فيغارو" الشهيرة للموسيقار النمساوي موتسارت، والمقتبسة عن رواية الكاتب الفرنسي بومارشيه التي تحمل الاسم ذاته، وأيضا صدحت ب مقطوعة تحكي عن الشمس الكامنة داخل كل إنسان، ومقطوعة عن صلاة الوداع، وعن تجربتها الفنية في الأوبرا قالت:

أنا تلقيت دراسة الغناء الاوبرالي في كلية التربية الموسيقية بجامعة حمص، لكن قبلها كان في داخلي شغف بفكرة تدور حول الغناء من الرأس، اكتشفت ذلك عندما اتقنت أغنية "يا طيور" لأسمهان وقدمتها بفحص القبول في الكلية، وعندما بدأت دراسة هذا النمط الغنائي، بدأ شغفي يكبر وأتمرن أكثر وأغوص فيه، حتى اتقنت غناء مقطوعات عالمية لا بأس بعددهاـ وكانت أول تجربة لي لتقديم هذا النمط في السنة الثالثة بالجامعة بتأدية عدة مقطوعات مع مقطوعات عربية.

وعند السؤال عن حكايا الاوبريت التي قامت بأدائه على اعتبار أن غناء الأوبرا نوع من الدراما، أجابت بأنها قامت بأداء آريات "أي مقاطع موسيقية ضمن الأوبرا " من أوبرات مختلفة وليست واحدة/ فغناء الأوبرا يجب عليك أن تفهم الكلمات والقصة والحركات والمشاعر، ومجموعة كبيرة من الأشياء. 

وتفترض تعلّم أكبر عدد ممكن من الآلات الموسيقية.

وعن توافق هذا النمط من الغناء مع عجلة روح العصر الحديث وتقبل الجمهور لها قالت: ربما لا أظنه النمط المفضل للذائقة المحلية، ولكن بكل العصور والتاريخ كان لكل نمط غنائي مستمعوين يعتبرونه الأقرب لروحهم، ومن خلال تجربتي المتواضعة بتقديم هذا النمط المختلف عن ثقافة مجتمعنا، رأيت بأنه تقبل أداء هذا الغناء مني لإيماني وثقتي بأن شغفي كفيل أن يوصل روح هذا الفن لهم.

وعند استفسارنا عن شرحها مناسبة المقطوعة وحكايتها للجمهور، وهل هو عرف في الأوبرا أم اجتهاد خاص من عندها فقد أفادت:

أنا ترجمت الكلمات لأشرحها للجمهور، بالإضافة لشرحي لمعاني المقطوعات الذي جعلهم كبارًا وصغارًا يسرحون بالمعنى والموسيقى.

وبالنسبة لسؤالي، إذا كان ثمة فكرة لتعريب الكلمات المغناة توخيًا للاقتراب من الجمهور العربي، كما درجت العادة في مصر في أوبريت مجنون ليلى والليلة الكبيرة بغية تلافي ترجمة المضمون من قبل المؤدي أثناء العرض أجابت:

إذا كنت تقصدين الإشارة لغناء الأوبرا باللغة العربية فرأيي الشخصي أن اللغة العربية غير مساعدة على أداء هذا النمط، لعدم توافق لفظ الحروف مع آلية إخراج الأصوات المختلفة كثيرًا عند أداء أغنية عربية.

وفي الختام أحببنا أن نعرف عن تصوراتها عن الأفق الذي تراه لفن الاوبرا فأوضحت، بأنها تؤمن بأن اجتهادها وأمانتها لنقل هذا النمط للجمهور أو لطلابها لينقلوه هم بدورهم إلى أقرانهم، وبالأفق القريب نستطيع بجمهور بسيط، لكن محب وطلاب محبون أن نكمل رسالة نقل هذا النوع من الفن والغناء.

سهير صوان موهبة متميزة تتمتع بصوت أوبرالي خاص، وهي إلى جانب ذلك تحمل مشروعا فنيا ثقافيا مدعما بدراسة أكاديمية شكلت بصمة خاصة وهوية مغايرة تشق طريقها بصبر وأناة.