الإمام الحسين.. النموذج الأخلاقي والإنساني
فجر محمد
تصوير: خضير العتابي
دارت ملحمة إنسانيَّة عظيمة على أرض كربلاء، في يوم العاشر من محرم راح ضحيتها خيرة أهل بيت رسول الله "ص"، ولم تكن مجرد حدثٍ عابرٍ في التاريخ الإسلامي، بل أسست للعديد من المرتكزات في ما بعد ومنها رفض الظلم أو الانصياع لأوامر الحاكم المستبد، الذي يرتدي لباس الدين ويستمد شرعيته من المؤسسات ورجال الدين، إذ لم يكن سبط الرسول الكريم (ص) غافلاً عمَّا كان يدور في المجتمع الإسلامي، من انعدام المساواة وغياب العدالة الاجتماعية لذا سعى الى نصرة المظلوم وإرساء القواعد الإسلاميَّة الصحيحة، لذلك قام بالثورة من أجل إنصاف أفراد المجتمع وإكمال ما بدأه والده الإمام علي (ع) وشقيقه الحسن (ع)، لإرساء العدل في المجتمع الإسلامي آنذاك.
مدرسة كبيرة
يرى عميد كلية الآداب في جامعة الإسراء الدكتور مدين التميمي، أنَّ "الثورة الحسينيَّة تعدُّ من أبرز الثورات إنْ لم تكن الأهم والأبرز على مرّ التأريخ، إذ أصبحت مناراً للثائرين الذين يقتدون بالإمام الحسين وآل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار..، ثورة الإمام الحسين (ع) مدرسة يتعلم فيها الإنسان كل معاني الإنسانية و التضحية والإيثار، والنضال من أجل العدل والإنصاف ومقاومة الظلم والفساد والاستبداد والطغيان، ومن هذه الثورة نتعلم كيف نكون مظلومين فننتصر، وكيف نناصر الحق ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر".
تغيير المجتمع
يرى الباحث ورجل الدين الشيخ حسام البغدادي، أنَّ "الحسين (ع) هو ثورة إنسانية ودعوة الى الرحمة، وليس هذا وحسب، بل إنَّ هذه الثورة هي بابٌ كبير وفرصة للتغيير الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، وبالإمكان الاستفادة منها والاسترشاد بها للنهوض اجتماعياً خصوصاً في ظل ما يعانيه المجتمع اليوم من مشكلات متعددة، ولتلك الشعائر والمنابر الحسينيَّة دورٌ كبيرٌ في نشر الرسالة الحسينيَّة التي تشكل جزءاً لايتجزأ من الإنسانية والحق والعدل".
الوعي الإسلامي
عميد كلية الآداب الدكتور مدين التميمي، أوضح أنَّ "الإمام الحسين (ع) توج حياته بثورة كبيرة ومهمة وتحول استشهاده (ع) إلى نقطة فارقة في الوعي الإسلامي، حتى يومنا هذا على مختلف المستويات الدينيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة، فكانت الثورة هي المنطلق لمواجهة الانحراف الديني والأخلاقي والسياسي المتمثّل في ذلك الوقت بيزيد بن معاوية، وكانت هناك مواقف كثيرة من قبل الظالمين والفاسدين من أجل الوقوف بوجه قضية الإمام الحسين، وفقد كانت ترتكب أبشع الجرائم بحق من يقيم الشعائر الحسينية وعلى مرّ العصور، وبحق من يمجد هذه الشعائر، لكن كل ذلك لم يمنع، بل أدى إلى أنْ يزداد الناس قوة وإيماناً في تعظيم هذه الشعائر وإبراز أجمل صورة عن الثورة الحسينيَّة وما تحمله من قيمٍ إنسانيَّة واجتماعيَّة للعالم أجمع".
إصلاح الأمة
أما عن الجانب الأخلاقي عند الإمام الحسين (ع) فتجمع المؤلفات ومنها كتاب (الإمام الحسين الشخصية والقضية) للشيخ حسن الصفار، أنَّه كان قمة في الأخلاق، فقد كان لا يقابل مسيئاً بإساءته ولا مذنباً بذنبه، وإنما كان يغدق عليهم ببره ومعروفه، كما كان يفعل جده الرسول (ص) الذي وسع الناس جميعاً بأخلاقه وفضائله، وقد عرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه. كما يوضح هذا الكتاب كيف أصبح لهذه الثورة المهمة أبعادٌ ثقافيَّة وفكريَّة أسهمت في ما بعد بما حدث من نهضة إسلاميَّة واضحة، ومن القضايا التي لا تقل شأناً عن سابقاتها، برزت مسألة المواصفات التي يجب أنْ يتمتع بها قائد الأمة والمنهج الذي يجب أنْ يسير عليه.
وتجمع المصادر التاريخية على أنَّ الإمام الحسين، كان صاحب عقيدة ومبدأ ومستعد للتضحية بكل شيء في سبيل مبادئه، لقد كان يهدف الى إصلاح الأمة وإعادة الدين الإسلامي الى نصابه الصحيح. فقد كان الحاكم أو الخليفة، يقوم بكل ما يحلو له دون العودة الى أحكام الشريعة الإسلامية وهذا هو خط السير الذي سعى الإمام الحسين الى محاربته، وإحلال العدالة الاجتماعية والمساوة عوضاً عن فرض السيطرة والسلطة دون وجه حق.
وتشير المصادر ذاتها الى ضرورة أنْ يكون هناك فهمٌ حقيقيٌّ لثورة الحسين والدوافع التي انبثقت لأجلها، ومن أهم تلك المفاهيم هو تثبيت دين الله الذي هو من أهم وأعمق الأهداف التي قامت لأجلها الثورة وليس كما أشيع عنها وروجت لها بعض الجهات، إنها كانت انحرافاً عن السلطة؛ لأنَّ الحسين (ع) لم يذهب ليبايعه الناس بل خرج رافضاً للظلم وثائراً ضد الطغيان، ومستجيباً لمناشدات ورسائل عديدة وصلته من المُضطَهدين.
قلوب مفجوعة
يحضر أبو سلام كل عام سرادق العزاء لاستقبال الزوار والمعزين باستشهاد الإمام الحسين (ع)، ويعدُّ أواني الطهي وكل ما لذ وطاب، لإكرام زوار أبي الأحرار، لكنَّ أبا سلام في الأعوام الأخيرة وبسبب كل ما مرَّ على المجتمع والناس بصورة عامة من ظروفٍ عصيبة، أصبح يبحث بنفسه عن المستحقين ويعطيهم نصيبهم مما يقدمه ويقوم بطبخه وتوزيعه بين جيران منطقته والأهل والأقارب، وبينما هو يتوزر قطعة قماش سوداء يلفها حول خصره، يقول: "لقد امتلأت العيون دمعاً وحزناً، وفُجِعت القلوب بوجعٍ ومصابٍ وجرحٍ لن يلتئم على مدى قرون طويلة، وهو استشهاد سبط الرسول الكريم أبي الأحرار الحسين (ع) وآل بيته الكرام". في الاعوام الأولى من سيطرة داعش على بعض المحافظات وانشغال الجيش بمعارك التحرير، كان أبو سلام يوصل الطعام الى الجنود فقد كان يرى أنَّ هؤلاء الأبطال هم الأحق أكثر من غيرهم بهذا الرزق. واليوم يبحث عن المحتاجين والمعوزين ومن فقد المعيل، كي يساعده قدر المستطاع.
خلود وبقاء
تؤكد المصادر التاريخيَّة أن لغة القوة، كانت تهيمن على الجيش الذي يقوده عبيد لله ابن زياد وغياب رجاحة العقل وبذلك كانت المعركة (واقعة الطف) غير منصفة لا عسكرياً ولا إنسانياً بالنسبة للإمام الحسين (ع) وأهل بيته، والصحابة الذين كانوا معه، إذ تجمع المصادر التاريخيَّة على أنَّ عددهم لم يزد على الـ 100، في حين كان هناك جيشٌ جرارٌ بقيادة عبيد لله ابن زياد ومن معه. ويلفت كتاب (الامام الحسين الشخصية والقضية) الى قضية مهمة وهي إذا تأمل الفرد منا في قضية الإمام الحسين سيقف متعجباً ومندهشاً وحائراً كيف توفر هذا الخلود للثورة الحسينيَّة، وبكل جزم وتأكيد ليس هناك حدث تاريخي أو ثورة أو حركة اجتماعية أصبح لها هذه الديمومة والبقاء وتأثيرها الكبير كما هو الأمر بالنسبة لثورة الإمام الحسين (ع)، مع أنها من حيث العمر الزمني كانت محدودة فالمعركة تمت كلها في صبيحة يوم العاشر من المحرم، حيث بدأت تقريباً عند صلاة الظهر، إذ صلى الحسين (ع) بأصحابه آخر صلاة لهم لأنهم بالتأكيد، استشهدوا قبل صلاة العصر أي أنَّ المعركة كلها تمت خلال ثلاث ساعات على الأكثر، فالمؤكد أنه بعدها قد قتل الجميع. وعلى الرغم من ذلك بقيت هذه الثورة شاخصة في الضمائر وذكراها حاضرة دائماً.