الفقر.. صاعد نازل

اقتصادية 2023/08/01
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي

لطالما تصدّر الحديث عن موضوع الفقر، الكثير من المنتديات والمجالس والبرامج والحوارات والندوات والمؤتمرات، وكل فعالية من هذه الفعاليات، ربما تتناول ثيمة الموضوع، من جانب معين، على وفق منظور النظريات الاقتصادية، والتعاريف العالمية التي تفصّل في أنواع الفقر،  وبؤره وخطوطه، وعمقه، والفقر المدقع والنسبي والذاتي والغذائي وفقر القدرات.. الخ.
وبناءً على تلك التعاريف، فقد اتخذت الكثير من البلدان سياسات اقتصادية، وخططاً تنموية، نجحت من خلالها في رفع أعداد كثيرة من الفقراء فوق خط الفقر، فهذه الصين مثلاً، التي كانت تمثل أكبر مستودع للفقر على مستوى العالم، أصبحت اليوم تعد صاحبة ثاني أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي عالمياً وهذا الموقع قابل للصعود والتربع على عرش العالم الاقتصادي، بعد أن تتمكن من إزاحة الولايات المتحدة الأميركية التي ينتابها قلق كبير، من زحف التنين الصيني المرعب، وتُعد تجربة الصين في محاربة الفقر، واحدة من أفضل التجارب، فقد استطاعت عبر خططها التنموية على مدى خمسة عقود، من انتشال أكثر من نصف مليار صيني من غائلة الفقر، بعد أن خاضت الكثير من التجارب في هذا السياق، ولكن التجربة الأبرز هي تجربة البناء التنموي السليم، بعد أن وجدت في الإعانات المالية المباشرة للفقراء، ارهاقاً لميزانية الدولة، مقابل عدم جدواها في القضاء على الفقر.
لا أريد الخوض في تفصيلات التجربة الصينية بقدر ما اردت الإشارة إليها للاستفادة منها في رسم سياساتنا الوطنية التي يمكن من خلالها مكافحة الفقر، لاسيما أنَّ الكتلة البشرية في العراق لا تُقارن بنظيرتها الصينية، كما أنَّ الإمكانات الاقتصادية لدينا هي الأخرى أفضل مما لدى الصين عندما شرعت بسياستها التنموية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ العراق لديه تجربة مع خطتين لمحاربة الفقر خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ولكن نتائجهما لم تكن بمستوى الطموح، إذ مازالت نسب الفقر هي ذاتها منذ أكثر من عشرة أعوام، ومرد ذلك إلى أسباب عديدة لستُ بصدد الخوض فيها، ولكن ما أريد الحديث عنه، هو أنَّ نسبة كبيرة من فقراء العراق، هم قريبون من خط الفقر، ويمكن رفعهم فوق الخط مع انتهاج أي سياسة دعم وتمكين لهم، وهذا ما حدث فعلاً في سنوات سابقة، إذ وصلت معدلات الفقر في أدنى مستوى لها أي إلى أقل من ١٥٪ ثم عادت لترتفع متجاوزةً حاجز الـ(٢٠٪)، في المقابل كانت الأموال التي أُنفقت لدعم الفقراء ليست قليلة، خصوصاً في ما يتعلق بشبكة الحماية الاجتماعية، والغذاء، ولكن ووفقاً لتجربة الصين فأن الدعم المالي المباشر لا يمكن أن يرفع من واقع حياة الإنسان الفقير، من دون وجود تنمية حقيقية،  وأن تضخيم الإنفاق في هذا السياق، سيحول دون تحقيق أي أثر تنموي، وهنا يمكن استثمار ما متاح من أموال ، في دعم جهود التعليم، فهو عامل أساس في تحسين مستوى العيش، وكذلك العمل على فتح الكثير من الورش ، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وتحسين مستوى الخدمات وفق ما يعرف بسياسة التمكين، وليس سياسة الإعالة الدائمة، التي تشجع على  "التنبلة"، فنحن قطعاً أفضل من الصينيين بما لدينا من قدرات، لو استثمرناها بنحو صحيح لن نجد فقراً ولا فقيراً في العراق.