التربة الحسينيَّة.. شرفٌ عظيمٌ ومنزلة رفيعة

ريبورتاج 2023/08/02
...

 وسام الفرطوسي

لقد كانت التربة الحسينيَّة من تلك البقع المشرفة التي خصها الله بنوعٍ من الكرامة في جملة من الأحاديث الواردة في هذا الشأن عن النبي “ص”، ولنا أن نعرف لماذا جاء جبرئيل “ع” بقبضة من تراب كربلاء وأعطاها للنبي “ص” فشمها وقبلها وفاضت عيناه بالدموع. ولماذا احتفظت أم سلمة بقطعة من تراب كربلاء وصيرتها في قارورة؟ ولماذا كانت الزهراء “ع” تأخذ من تراب قبر أبيها الطاهر وتشمه؟ ولماذا عملت سبحتها من تراب قبر أسد الله وأسد رسوله “ص”؟ ولماذا بكى أمير المؤمنين “ع” حين مرَّ بكربلاء وأخذ قبضة من ترابها فشمه وبكى حتى بل الأرض بدموعه وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.

ترى، أبعد هذا يستكثر على من يعبد الله ولا يشرك بعبادته أحداً، أنْ يسجد لله على تربة قتيل الله وابن قتيله، وحبيب الله وابن حبيبه، والداعي إليه والدال عليه والناهض به والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه والواضع دم مهجته في كفه تجاه إعلاء كلمته ونشر توحيده وتوطيد طريقه وسبيله؟


رأي العقاد بتربة الحسين

وفي هذا الشأن قال الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد عن أرض الحسين كربلاء المقدسة: (فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظرة والمشاهدة، ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أنْ تصبحَ مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين “ع” فيها).

وبغض النظر عمَّا في تلك التربة من شرفٍ معنوي بوصفها مُذكِراً ومنبهاً على آيات الصمود الحق بوجه الطاغوت، وما فعله آل الله من إيثار الحق على مهجهم وما جناه آل الشيطان على أنفسهم، فإنها لم تكن في الواقع سوى قطعة من تراب طاهر، والمناقشة في صحة السجود عليها كالمناقشة في صحة السجود على أي ترابٍ طاهر، لكونهما من جنسٍ واحد، إذ لم تكن تربة الحسين “ع” معدناً وإنْ كانت في واقع الحال أعز على قلوب المؤمنين من الذهب الابريز، بل هي من جملة التراب الطاهر الذي جعله الله تعالى مسجداً وطهوراً.

على أنَّ المناقشة في صحة السجود عليها لم نجد لها أثراً قبل بروز الانحراف في الفكر والعقيدة الذي تزعمه بعض من تمرنوا على قبول الجهل بشكل عجيب، واعتادوا الكذب الصريح بشكل أعجب من الذين قدر لهم أن يكونوا دعاة لترويج الباطل وقدر لدعوتهم أن يكون لها أنصار وأتباع.


تاريخ السجود على التربة الحسينيَّة

تقدم آنفاً ما يشير إلى أنَّ شرف المكان إنما هو بشرف المكين، وكدليل على ذلك - نقتبسه من عصر صدر الإسلام - وهو ما جرى على آل البيت عليهم السلام وعموم المسلمين بعد استشهاد أسد الله وأسد رسوله حمزة “ع” عم النبي “ص”، فقد أمر النبي “ص” نساء المسلمين بالنياحة عليه، ثم بلغ أمر المسلمين في تكريم حمزة “ع” بعد استشهاده وعلى مرأى من النبي “ص” وعلمه أنْ عملوا التسابيح من تربته، وكان أول من عمل ذلك سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء “ع”، ثم اقتدى بها المسلمون، حتى بقيت الحالة هكذا إلى أنْ استشهد الإمام الحسين “ع” فعدل بالأمر إلى تربته الشريفة.

وقد جاء التصريح بهذا عن الإمام الصادق “ع” قال: إنَّ فاطمة بنت رسول الله “ص” كانت سبحتها من خيط صوف مفتل، معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبر وتسبح، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين “ع” عدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية.

أما عن أهل البيت عليهم السلام فقد ثبت سجودهم لله على تربة السبط الزكي الطاهر، فإنَّ أول من بادر إلى استخدام التربة الحسينيَّة والسجود عليها هو ابنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين “ع”، فبعد استشهاد الإمام الحسين “ع” كانت الإمامة لابنه علي “ع” فهو الذي قام بدفن أبيه الشهيد بكربلاء، فبعد أنْ دفن أباه وأهل بيته وأنصاره، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف، فشدَّ تلك التربة في صرة وعمل منها سجادة ومسبحة.

ولما رجع الإمام السجاد “ع” هو وأهل بيته إلى المدينة، صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها هو الإمام زين العابدين “ع” ثم تلاه ولده الإمام محمد الباقر “ع” فبالغ في حث أصحابه عليها ونشر فضائلها وبركاتها، ثم زاد على ذلك ولده الإمام جعفر الصادق “ع” فإنَّه نوه بها لشيعته، كما وقد التزم الإمام “ع” ولازم السجود عليها بنفسه.

فقد كان للإمام الصادق “ع” خريطة من ديباج صفراء فيها من تراب أبي عبد الله الحسين “ع”، وكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه لله عز وجل، كما أنَّ المروي عنه “ع” أنه كان لا يسجد إلا على تربة الحسين “ع” تذللاً لله واستكانة إليه.

وفي جوابات الإمام المهدي (عج) لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، وقد سأله عن السجود على لوح من طين القبر الشريف - أي التربة الحسينيَّة - فأجاب “ع”: يجوز ذلك وفيه الفضل.


الالتزام بالسجود على التربة الحسينيَّة:

التزام الشيعة الإمامية بالسجود على التربة الحسينيَّة لا يعني اعتقادهم بعدم صحة السجود إلا على التربة الحسينيَّة، إذ لا وجود لهذا القول عند فقهائهم أجمع، بل لا توجد رواية واحدة في الحديث الشيعي تحصر السجود بالتربة الحسينيَّة، نعم وردت روايات كثيرة متواترة عن أهل البيت “ع” في بيان فضل التربة الحسينيَّة وطهارتها واستحباب السجود عليها مع كونها أسلم من غيرها من جهة النظافة والنزاهة المؤكدة فيها.

ونحو ذلك من المسوغات المشروعة والتي يمكن اجمالها بالنقاط الآتية:

1 - اطمئنان الساجد على التربة الحسينيَّة بان يسجد لله على قطعة طاهرة من الأرض لا تختلف عن غيرها من تراب الأرض إلا من الناحية المعنوية.

2 - التأسي بأهل البيت “ع” من جهة الاقتداء بأفعالهم في السجود على التربة الحسينيَّة، وبأقوالهم الثابتة في الحث على السجود عليها أيضاً.

3 - صلة التربة الحسينيَّة بالمعاني الروحية الرفيعة التي ندب الإسلام إليها، فهي تذكر بالتضحية والصمود من أجل العقيدة والتفاني المنقطع النظير من أجل إعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل.


السر في تقبيلها

أما عن تقبيل التربة الحسينيَّة إنما هو اقتداءٌ بما فعله رسول الله “ص”، إذ ثبت من طرق العامة - كما رواه جمعٌ من حفاظهم - بأن رسول الله “ص” لما جاءه جبرئيل “ع” بقبضة من تراب كربلاء، شمها وقبلها وأخذ يقلبها بحزن بالغ حتى قالت له أم سلمة: ما هذه التربة يا رسول الله؟ 

فقال “ص”: أخبرني جبرائيل أنَّ ابني هذا - يعني الحسين “ع” - يقتل بأرض العراق، فقلت لجبرائيل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها.

وفي رواية أنه “ص” أمر أم سلمة بحفظها قائلاً: هذه التربة التي يقتل عليها - يعني الحسين - ضعيها عندك فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي الحسين.

وفي خبرٍ آخر عن أبي وائل شقيق أم سلمة، ثم قال لها رسول الله “ص”: وديعة عندك هذه - فشمها رسول الله “ص” وقال: - ويح كرب وبلاء. 

ثم قال “ص”: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما، فاعلمي أن ابني قد قتل. 

قال أبو وائل: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم.

فالمؤمنون يقبلونها كما قبلها النبي الأكرم “ص” ويشمونها كما شمها كأغلى العطور وأثمنها، ويدخرونها كما ادخرها، ويسكبون عليها الدموع كما سكب عليها دمعه اقتفاء لأثره “ص” واتباعاً لسنة الله وسنة رسوله وأهل بيته “ع”.

ولا شك في أن الاقتداء بسنة الرسول “ص” من الواجبات الثابتة عند جميع المسلمين بلا خلاف، قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾.

وروي أن الامام أمير المؤمنين “ع” لما نزل كربلاء في مسيره إلى صفين، وقف هناك ونظر إلى مصارع أهله وذريته وشيعته ومسفك دماء مهجته وثمرة قلبه، وأخذ من تربتها وشمها قائلاً: واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب ثم قال: طوبى لك من تربة عليك تراق دماء الأحبة.


فتاوى بالسجود على التربة الحسينيَّة

1 - الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقب ب‍ سالار (ت / 462 ه‍) قال: (لا صلاة إلا على الأرض أو ما أنبتته ما لم يكن ثمرا أو كثرا أو كسوة فلهذا لا تجوز الصلاة على القطن والكتان، وإنما يصلى على البواري والحصر... وما يستحب السجود عليه، وهو الألواح من التربة الحسينيَّة المقدسة...)

2 - عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة، قال: (الأرض كلها مسجد يجوز السجود عليها وعلى كل ما ينبت منها مما لا يؤكل ولا يلبس بالعادة إلا الحصر المعمولة بالسيور الظاهرة، إذا اجتمع فيه شرطان: الملك أو حكمه وكونه خالياً من النجاسة، ويستحب السجود على الألواح من التربة - الحسينيَّة - وخشب قبور الأئمة عليهم السلام ان وجد ولم 

يتق).

3 - السيد علي الحسيني السيستاني: قال: (يعتبر في مسجد الجبهة أن يكون من الأرض أو انباتها غير ما يؤكل أو يلبس، فلا يجوز السجود على الحنطة والشعير والقطن ونحو ذلك.

ويجوز السجود اختياراً على القرطاس المتخذ من الخشب وكذا المتخذ من القطن أو الكتان على الأظهر دون المتخذ من الحرير والصوف ونحوهما على الأحوط. 

والسجود على الأرض أفضل من السجود على غيرها، والسجود على التراب أفضل من السجود على غيره وأفضل من الجميع التربة الحسينيَّة على مشرفها آلاف التحية والسلام).


آثار وفوائد التربة الحسينيَّة

للتربة الحسينيَّة المباركة شرف عظيم ومنزلة رفيعة كما أكدت عليها الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فهي:

1 - شفاء من كل داء وأمان من كل خوف:

روى محمد بن مسلم عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام من أنَّ للإمام الحسين “ع” ثلاث فضائل مميزات ينفرد بها عن غيره من جميع الخلق مع ما له من الفضائل الأخرى والتي يصعب عدها قال “ع”:... أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره....

وقال الإمام الصادق “ع”: في طين قبر الحسين “ع” شفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر. 

علما أن الاخبار تضافرت بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الإمام الحسين “ع” بآداب مخصوصة وبمقدار معين، وهو أن يكون أقل من حمصة وأن يكون آخذها من القبر بكيفية خاصة وأدعية معينة.

2 - اتخاذها مسبحة:

والملاحظ أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يوصون شيعتهم بضرورة الاحتفاظ بمسبحة من طين قبر الإمام الحسين “ع” واعتبارها أحد الأشياء الأربعة التي لا بُدَّ أنْ ترافق المؤمن في حله وترحاله، قال الإمام الصادق “ع”: لا يستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلي عليها، وخاتم يتختم به، وسواك يستاك به، وسبحة من طين قبر الحسين “ع”.

3 - السجود عليها يخرق الحجب السبعة:

روي عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: إن السجود على تربة أبي عبد الله - الحسين - “ع” يخرق الحجب السبعة.

وقد علق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على هذا الحديث بقوله: ولعل المراد بالحجب السبعة هي الحاءات السبعة من الرذائل التي تحجب النفس على الاستضاءة بأنوار الحق وهي: (الحقد، الحسد، الحرص، الحدة، الحماقة، الحيلة، الحقارة. 

فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق يمزقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل وهي: الحكمة، الحزم، الحلم، الحنان، الحصانة، الحياء، الحب).

4 - ينور الأرضين السبع:

قال الإمام الصادق “ع”: السجود على طين قبر الحسين “ع” ينور إلى الأرض السابعة.