الشعائر الحسينيَّة.. إبداعات الاستلهام الأدبي والفني

منصة 2023/08/08
...

  بغداد: مآب عامر

شكلت الشعائر الحسينية، محطة مهمة يستسقي الكتاب والشعراء والفنانون موضوعاتها، التي تعبر عن مآثر بطولية عميقة في النفس البشرية، ويتم توظيفها عبر ملاحم ايمانية يعاد إحياؤها كل عام بكثير من الحماس.. لقد ألهمت ذكرى عاشوراء المقدسة العديد من المبدعين، ليقدموا أعمالا أدبية وفنية متميزة خصوصاً واقعة الطف، إذ يقول الكاتب المسرحي حيدر عبد الله عيد إن " ملحمة عاشوراء قيمة إنسانية عظمى وتجربة ايمانية تحمل الكثير من المعاني والدلالات، التي تشير دوما إلى طريق الثورة والتغيير. لذلك دائما ما تشكل حافزا مهما ودافعا ملهما، نحو استثمارها في أعمال إبداعية تتخذ من القضية محورا لها تسعى فيه إلى طرح الكثير من القضايا، التي تهم الإنسانية وتشير إلى حاجتها  للتحرر".


صيغٌ فنيَّة حديثة

ويرى حيدر عبد الله أنه وبتعدد تمظهرات هذه الملحمة، وما يعبر عنها بالشعائر والمراسيم الخاصة، التي تصورها بشكلها التراجيدي المؤثر صارت مرتكزا للكثير من التناولات الأدبية والفنية، التي تحاول أن تسقطها على الواقع في كل زمان ومكان.

ويضيف: قد تجسد لدي ذلك في الكثير من التجارب الأدبية في كتابة النصوص المسرحية، التي تتخذ من موضوعة عاشوراء، منطلقا لها في الإشارة إلى رغبة الانسان عما يعبر عن ايمانه ومعتقداته الفكرية التي تسهم في تحقيق الإصلاح. 

ويشير إلى أن ملحمة الطف كانت دافعا كبيرا لي في تقديم العديد من العروض المسرحية، التي تجسد هذه الدروس بصيغ فنية حديثة ومبتكرة تشتغل وفق منظومة فكرية تستلهم من هذه الملحمة كل ما يعنى بالمواقف البطولية والايثار والشجاعة .

ويعتقــد أن كربلاء وتجـليــــاتـها العظيمة ستبقى دوما مثابة عالية، يسعى الكثير من المبدعين إلى الصعود إلى قمتها والكشف عن معالمها، التي تكرس للفكر الخالص صولاته وجولاته في ميادين التعبير 

الحي والملتزم والحق .

التطرف الحداثي

أما الشاعر عادل الصويري فيقول إن: كربلاء بالنسبة لي أكثر من مدينةٍ وُلدت وأعيش فيها، هي ألمٌ مستحيل، ووجود مجروح، وكلاهما يحيلان إلى التأمل والغوص عميقاً في ذاكرتِها التي استفزت من لم يعرفها سوى في الكتب والسرديات المتوارثة، ليكتب عنها وعن واقعتها، فكيف بالذي يُصبح على منائرها، ويمسي على هوامشها؟. 

أما ما يخص تجربتي في كتابة ملحمتها، فأنا ونتيجة تشبعي بممارسات عاشوراء الشعائرية ممارسةً وتنظيراً؛ صرتُ أميلُ إلى مغادرة "المتن الحسيني" باتجاه الهوامش التي جاورته، وقليلون جداً من فعلوا هذا على مستوى الفنون والنصوص التي تعاطت مع الواقعة الكربلائية. 

ويعتقد أن هذا المسعى يجعل قصيدتي - برأيي - بعيدة عن مشكلات القصيدة الحسينية المعاصرة، والتي أوجزها بالتطرف الحداثي، حيث يمكن أن نرى القصيدة أنها في الحسين أو يزيد لا فرق، أو بمقاربة الحسين مع أسماء ثورية مرتبطة بالإيديولوجيا، وهذا التوجه نجده عند بعض اليساريين الرومانسيين. 

ويشير إلى أن أهم المشكلات فتتعلق ببعض الشعراء، الذين استنسخوا تجربة (الهوسة الشعبية) وزجوا مضامينها في القصيدة بعد عملية تفصيح غير ناضجة.

الميلوديات الصوتية

من جهته، يقول الدكتور سعد عزيز عبد الصاحب عن تجربته في هذا الشأن: بالطبع كان لها تأثير بالغ على شخصيتي الفنية والثقافية، خصوصا في حقل المسرح، فالتراجيديا الطفية، بحسب رأيه، هي درس قيمي واخلاقي إنساني بالغ العلو والكبر والتي ولدت لدي دراسة مطولة نشرتها في كتابي الجدل في المسرح المعاصر، جاءت تحت عنوان تأثيرات  ما بعد الحداثة في المسرح الطقسي المعاصر - واقعة الطف نموذجا - وغذتني بصنوف الاشعار الحسينية بالغة الجلال في شعريتها الفصحى والعامية فضلاً عن الميلوديات الصوتية الهائلة للرواد يد الحسينيين اللذين وظفت قراءات هم في العروض المسرحية

المعاصرة.


الجانب الفكري

أما الدكتور علاء كريم فيقول: لقد مثلت كربلاء الواقع الحياتي للمجتمع الذي نعيش فيه، وما يمتلكه هذا المجتمع من خصوصية تنزاح إلى المتغيرات المتحركة وغير الساكنة، فضلاً عن التأثير العاطفي الذي يزيد من معاني عاشوراء، ومنها المعنى الزمني داخل مكان الحدث، وما يشكله من حزن عميق في ذاكرتنا كل عام. 

ويضيف أن "ذكرى استشهاد الإمام الحسين ع، تركت أفعالا مرمزة في شكل البطولة والتضحية والتسامح، وهذا قد يشكل في داخلنا اهم تجليات ثورة الإمام الحسين (ع)، والتي من خلالها رسمت الطقسية الأدائية في تشبيه أحداث الواقعة، وما تمخض عنها من دروس مفاهيم وقيم جمالية، مثلا في المسرح عملنا على تجسيد الأحداث من خلال العودة إلى جذور طقسية الواقعة عبر التراجيديا التي تعكس الحياة وارتباطها بالفرد ومعاناته وما يسلط عليه من

ظلم. 

وهذا برأيه قد يرتبط بأحداث واقعة الطف، كما عملنا على ترسيخ الاشتغالات المسرحية التي تعمل برؤى تجريبية حداثوية، بالتالي كل ما تم تقديمه من خلال المسرح الحسيني أو مسرح التعزية، هو محاولة لتغير الصور المكررة لهذه الواقعة ونقلها إلى مستويات ابعد ليطلع على مضمونها أغلب الشعوب والمجتمعات، لأهميتها الإنسانية وجماليات طقوسها بدءًا من التشابيه إلى منظومة اشتغال المسرح الفكرية والتطبيقية. 

ويشير إلى أن لدي أكثر من تجربة على مستوى مسرح التعزية، في الإخراج وايضا في الجانب الفكري، إذ قدمت مجموعة من الدراسات والقراءات النقدية، والتي حاولت من خلالها بيان نقاط الضعف والقوة في هذا الجانب، فضلا عن إيضاح أوجه التشابه والاختلاف التي يمكن أن تقدم للجمهور مسرحياً.