هل دولتنا مدنية؟

العراق 2019/05/03
...

حسين العادلي
* الأنظمة العسكرتارية والثيوقراطية والشمولية والدكتاتورية ليست أنظمة مدنية، لافتقادها لمعايير الدولة المدنية القائمة على اعتبار: أنّ الدولة ظاهرة مجتمعية تستمد وجودها  من الشرعية الشعبية وتؤسس كيانها على المواطنة الديمقراطية وحكم القانون وسيادة المؤسسات.
* هناك أربع ركائز أساس للحكم على مدنية الدولة، الشرعية والتشريع والرابطة والنظام، فشرعية السلطة مستمدة من الشعب، والتشريع مصدره البرلمان المنتخب، والرابطة لتشكيل أمّة الدولة هي المواطنة، والنظام السياسي والاقتصادي يقوم على الديمقراطية الليبرالية.
* بلوغ مدنية الدولة تدريجي تراكمي يتم عبر سيرورة سياسية مجتمعية اقتصادية ثقافية بمسيرة الدولة، ومن التسطيح القول بمدنية الدولة بمجرد توافر عناصرها الشكلية، فالحكم على مدنية الدولة رهن تكامل نواتها الصلبة التي تستندها جميع فاعليات الدولة المجتمعية السياسية الاقتصادية الثقافية التعليمية.. الخ.
ولتشكيل نواة مدنية صلبة للدولة لا بد من تكامل وتعاشق أربعة مستويات، وهي: القيم المدينية والضمانات المدنية ومدنية القوى السياسية وقوة المجتمع
المدني. 
* تتشكل النواة المدنية الصلبة أولاً من تكامل المنظومة المدينية (نسبة إلى المدينة)، بمعنى تكامل القيم والفضائل الاجتماعية والثقافية المستلة من روح المدينة على حساب روح البداوة أو نسق القرية بإنتاجها للمجتمع، فللمدينة نسق جدلي وسياق تطوري سياسياً اقتصادياً ثقافياً داخل المجتمع وضمن الدولة (الدولة/المدينة).
وثانياً، تتشكل النواة المدنية الصلبة من حاكمية الضمانات المدنية التي هي جوهر الدولة، وتتمثل بحقوق المواطنة المدنية، وفي مقدمتها الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وثالثاً تحتاج النواة المدنية لتتشكل إلى تكامل القوى السياسية المعنية بفعل الدولة وارتقاء رؤاها وبرامجها وثقافتها إلى قيم واشتراطات الدولة الحديثة في تعابيرها كافة.
ورابعاً، تقوم بنية النواة المدنية الصلبة على قوة وسعة الحاضن المجتمعي المدني كنسق ومؤسسات.
إنّ نسق مدنية المجتمع يرتبط بثلاثة عوامل: الرابطة والوعي والأداء، فنسقية المجتمع المدني تنتظم على أساس من المواطنة القانونية والثقافية الكاملة، وعلى أساس من وعي المواطنية الفاعلة في العلاقات النسقية (عمودية/سلطات، أفقية/مجتمع) بين الأفراد والمؤسسات والدولة، وعلى أساس من الأداء المسؤول المستند الى القانون والأمن والتضامن لا الغريزة والخوف والفوضى.
*  هل يمكن القول انّ دولتنا اليوم مدنية؟
نعم، هي كذلك على مستوى التأسيس النظري الدستوري، فالدستور العراقي المُقر في 2005م هو مدني بروحه ونصوصه، فمصدر شرعية السلطة فيه هو الشعب، ومصدر التشريع لديه هو البرلمان، والرابطة الأساس بتكوين الدولة عنده هي المواطنة، والنظام فيه هو ديمقراطي مؤسساتي،.. وهذه هي أهم الاشتراطات التي تقتضيها مدنية الدولة.
لكن بذات الوقت وعلى مستوى الواقع الفعلي ما زالت الدولة تقليدية. 
* هناك فجوة كبيرة بين مدنية الدولة دستورياً وبين تقليديتها على أرض الواقع، فما زالت الدولة وعناصرها ومنظوماتها تقليدية، وبلوغ مدنية الدولة يحتاج إلى خارطة طريق إصلاحية سياسية مجتمعية مؤسسية شاملة، ويحتاج إلى قوى دولة ملتزمة تعي اشتراطات العمل بالدولة الحديثة تكون الحامل لمشروعها، ويحتاج قبل كل شيء إلى حكم فعّال ضابط للدولة ومجتمعها وقواها ومنظوماتها الإدارية الامنية الاقتصادية،.. فدونما ضبط للدولة وبسط معاييرها ووحدة سلطاتها وواحدية سيادتها وفق رؤية وإرادة ونواة صلبة بإدارة الدولة فلا يمكن الحفاظ على تماسك الدولة التقليدية فضلاً عن بلوغ الدولة المدنية.