محمد جبير
تنهض شبكة الإعلام العراقي ضمن مشروعها التاريخي الكبير في تشكيل موسوعة تاريخ العراق المصورة وفق غصدارات مختلفة من حلقة إلى أخرى وذلك للإحاطة بتاريخ العراق صورياً ، وهي فكرة ريادية تضع التاريخ مصوراً أمام الأجيال المقبلة بعيداً عن تشابك التأويل والمفاهيم المتاقطعة والمختلفة ، حيث تكون في هذه الحلقات من الموسوعة الصورة أبلغ من الكلام .
جاء الجزء الثالث من هذه الموسوعة خاصاً بتاريخ الفرقة القومية للتمثيل ، وهو من حيث العام ليس خاصاً بحركة الفرقة الفنية وأعضاء تلك الفرقة من المبدعين وأنما هو تاريخ الحركة الإبداعية العراقية بشكل عام ووجه من الوجوه الحضارية للبلاد ، فقد كانت هذه الفرقة علامة بارزة في تاريخ الحركة الفنية المسرحية في الوطن العربي ، وأسهم في خلق هذه المكانة المرموقة للفرقة عدد من المبدعين في التأليف والإخراج والأعداد والتمثيل والديكور والإضاءة من جيل الشيوخ والشباب ، إذ كانت هذه الفرقة مختبراً فنياً لصقل المواهب الإبداعية وإنتاج الأعمال الدرامية المتميزة .
وإذا كانت الصورة الفنية جهد فردي فإن هذا الإصدار التوثيقي لم يكن جهداً فردياً وأنما وقفت خلفه قامات إبداعية ساندة لجهد المصور الفنان علي عيسى ، فقد أسند ودعم هذا العمل من قبل الدكتور نبيل جاسم رئيس شبكة الإعلام العراقي بوصفه مشرفاً عن هذا المشروع التاريخي الكبير بأجزائه المتعددة التي صدرت والتي ستصدر ، أما التحرير فقد كان من حصة الناقد المسرحي عبد العليم البناء ، والإشراف والإخراج الفني لشيخ المصممين البارعين الدكتور فلاح حسن الخطاط ، الذي أسند المصمم الشاب رغيب أموري الرماحي والترجمة للدكتور ربيع عامر الطربوش والإشراف الطباعي للمهندس المبدع محمود جاسب
خضير .
يقول الدكتور نبيل جاسم في تقديمه لهذا الإصدار الجديد " نعرف نحن ، أعني مدمني ومرتادي المسرح الجاد ، في السنوات المتناقضة بين ذروة إبداع المسرح ، ومرارة الأعوام ، ما معنى أن يكون المرء علي عيسى " ويسترسل " لم يؤرشف علي عيسى الحركة المسرحية منذ منتصف السبعينات فحسب ، وإنما أرشف معها السينما العراقية ، بل وحتى السياق الشخصي للفنانين العراقيين ، ضاخاً نهرًا واسعاً من الألوان والالتقاطات لتغطي الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات ، بل ووضعت صور الفنانين العراقيين على خزانات معجبيهم وقد أرشفها علي عيسى بدأب نحلة ودقة جراح "." المقدمة –ص5".
كنا نرتاد المسرح شباباً قبل أكثر من خمسين سنة ، وكان جيل الشباب من الفنانين المسرحين يمتلئون حماساً لتقديم كل ما هو إبداعي وجديد في فن الدراما وكان الاحتفال بيوم المسرح العالمي يوماً احتفالياً لعرض مهارات رجال ونساء هذا الفن ، كان الصديق عبد العليم البناء آنذاك مديراً لإعلام الفرقة وصديقاً لمعظم مبدعي العراق ، والمصدر الخاص في توفير البطاقات المجانية لمشاهدة تلك العروض التي شكلت ذائقتنا الفنية في مرحلة تألق الانتاج المسرحي العراقي ، في تلك السنوات منتصف السبعينات بالذات نراقب حركة شاب في الظلام يراقب حركة الممثلين على خشبة المسرح ، كنا نظن أن علي عيسى الموظف في دائرة السينما المسرح يتحرك هذه الحركة ضمن واجبه الوظيفي لكنه على وصف نبيل جاسم يتحرك"بدأب نحلة ودقة جراح " وهو وصف دقيق جداً لفنان مبدع يعرف أن يعمل ويخطط لمستقبل أكبر ، وليس كما كنا نظن نحن المسحورين بحركة الممثل على خشبة المسرح أن مهمته وحركته هذه لتزويد الصحف والمجلات بالصور الفنية الخاصة للعرض ، إذ ما زالت لقطة الفنان عزيز خيون في مسرحية فوك من تأليف وإخراج الفنانة عواطف نعيم ماثلة في الذهن مثلما هي لقطات الفنان المبدع رائد محسن أو سامي قفطان أو شذى سالم أو سهى سالم وليلى محمد وآخرين .
ومن كنا نرى شبابهم يكبر على خشبة المسرح ، نراهم اليوم وهم كبار في منجزهم وعطائهم العلمي الذي يقدمونه إلى الشباب فيعلى مقاعد الدراسة في أكاديمية الفنون الجملية أو معهد الفنون الجميلة ، فمسيرة العطاء الإبداعي متواصلة في كل موقع يشغله الإنسان المبدع ، إذ أن شعلة الإبداع تبقى متوهجة مِعطاء في مختلف الظروف في مسرَّاتها وأوجاعها حتى أن مرَّها حلو مثل شهد العسل ، وهذا المنجز السردي الصوري الذي رسم خطوط تطور وإنجازات المسرح العراقي في سنوات التألق والديمومة والتواصل على مدى تلك السنوات لا يختلف في طعمه عن شهد التلقي فقد نشَّطت شبكة الإعلام في هذا المطبوع ذاكرتنا الثقافية وتركت لنا فسحة التأمل والعيش مع الذكريات الجميلة ، في حواراتنا مع أصدقائنا الفنانين في كافتريا الدائرة والتي كانت أشبه بقاعات الدرس الثقافي الفني وتعميق روح الصداقة بين مختلف المبدعين من كتاب المسرح والسينما والرواية والنقد ومن شباب الصحافة الفنية ، لتمتد تلك الصداقات الإبداعية إلى خارج الدائرة لتكبر وتتعمق إلى علاقات عائلية ، تحية لكل من أسهم بهذا المنجز وتركنا نعيش لحظات فرح الذكريات ومكحل عيوننا بلقطات خالدة لمبدعي العراق في الفن المسرحي .