المنصَّة البيئيَّة.. طريقة مبتكرة لمكافحة التلوّث

ريبورتاج 2023/08/28
...

 أحمد نجم 

في ظل ارتفاع مؤشرات التلوث وازدياد المشكلات البيئيّة في العراق خاصة مع امتداد تأثيرات التغيير المناخي، أقدم ناشطون مختصون بالبيئة على اطلاق تطبيق الكتروني هو الأول من نوعه ويهدف بالدرجة الأساس لرصد الانتهاكات البيئيّة والضغط على الجهات الرسميّة المختصّة لمعالجتها. يأتي تطبيق "المنصة البيئيَّة" ضمن سلسلة طويلة من عمل الناشطين البيئيين في العراق الذين يسعون للمساهمة في التكيّف مع ظاهرة التغير المناخي الحاصل في العالم والذي امتدت تأثيراتها للمنطقة خاصة وان العراق من الدول الهشة في التكيّف مع هذه الظاهرة رغم أنه من أكثر البلدان عرضة للخطر.

يعتمد التطبيق على إشراك المواطنين من مختلف محافظات العراق للإبلاغ عن الانتهاكات البيئيّة بحسب مدير المنصّة قتيبة جواد، ويمر الإبلاغ الذي يتقدم به المواطن في عدة مراحل قبل تثبيته على خارطة المنصّة إذ يجري التدقيق والتأكد من صحّة الشكوى عن طريق راصدين بيئيين متطوعين ثم يذهب فريق من الباحثين المختصّين بالبيئة لموقع الانتهاك لتقييم الحالة وتصنيفها قبل أن يرسل للجهات المعنية بالمشكلة في وزارة البيئة لاتخاذ الإجراء المناسب.


سرِّيَّة

وأضاف قتيبة جواد، الناشط المختص بالمجال البيئي، في حديث لــ (الصباح)، بأن "المواطن المبلّغ يكون حرّاً في إخفاء هويته او إظهارها، ولا يتطلب منه الامر الا بضعة دقائق يُحدد فيها موقع الانتهاك على الخارطة ويرفع بعض الصور للانتهاك ويقدم شرحاً موجزاً عن المشكلة، لتبدأ بعد ذلك مهمّة الراصدين والباحثين للتأكد من دقة الشكوى ومتابعتها". ويرى بأن عدد الشكاوى خلال الشهرين الماضيين من عمر المنصّة لا يعبر عن حجم الانتهاكات البيئيَّة في العراق لأنَّ المنصة ما زالت تعمل بشكل تجريبي، كما أن استجابة المؤسسات الرسميّة ومعالجة الانتهاكات ستشجّع على المزيد من التبليغات والرصد المجتمعي.

وفضلا عن إمكانية رصد مصادر التلوث البيئي تضمّ المنصّة أقساماً أخرى منها الحملات البيئيّة التي يتبنّاها الناشطون، مثل حملة ايقاف التسرّب النفطي على آلاف الدوانم الزراعيّة في صلاح الدين، وحملة أخرى لايقاف التجاوزات على البساتين الزراعيّة، كما يضم ايضا قسماً للدراسات والابحاث الخاصة بالبيئة، فضلا عن التقارير الرسميّة وغير الرسميّة الخاصة بالموقف البيئي. 

أول الفيض

يشير موقع المنصّة الى تثبيت 64 انتهاكاً بيئيّاً موثقاً خلال الشهرين الماضيين، ثلثاها تقريبا في العاصمة بغداد، ومعظم تلك الانتهاكات تتعلق بتلوث مياه الشرب او الانهار ومكبّات النفايات او حرقها والتسرّب النفطي والتلوث الهوائي، أما مؤشر الاستجابة فلا يزال خالياً، إذ إن التنسيق بين إدارة المنصّة والجهات الرسميّة لا يزال في بداياته، اذ يشير جواد الى أن "المنصّة لاقت ترحيباً في قسم شؤون المواطنين بوزارة البيئة، لأنّها مثلت نقلة نوعيّة في طريقة تسلّم الشكاوى والمخالفات وتوثيقها بالأدلة بعيداً عن الاجراءات البيروقراطية".

أستاذ البيئة والتلوث في جامعة الانبار الدكتور عاصم جاسم، أكمل دراسته للدكتوراه بأطروحة عن مصب المجاري في نهر الفرات ووجد فيها "كارثة بيئية تهدد حياة العراقيين ليس حالياً فقط بل تشكّل خطراً على مستقبل الاجيال المقبلة خاصة مع انخفاض مناسيب الأنهر"، وبحسب حديثه لـ (الصباح)، أشار الى ان ذلك قد حفّزه وأعطاه الدافع للنشاط الطوعي لمكافحة التلوث والحفاظ على البيئة.


رصد

يعمل جاسم حالياً كأحد راصدي الانتهاكات البيئيّة في موقع المنصّة، وأشرف على متابعة الانتهاكات البيئيّة في مدينة الرمادي، وكان أبرز ما لاحظه هو تصريف المياه الثقيلة ومنظومات المجاري ومياه الصرف الصحي الآتية من المستشفيات في نهري الفرات والورار، وبكميات كبيرة جداً، لدرجة أن نهر الورار تحول الى بركة من المياه الآسنة نسبة التلوث فيها أكثر من 90%.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فغياب الطمر الصحي للنفايات في الرمادي تسبب بعشوائية في جمع النفايات والتخلّص منها داخل الاحياء السكنية او بالقرب منها، كما رصد أيضا حرق المزارعين لآلاف الدوانم للقضاء على الآفات الزراعيّة، متسبّبين بحصول تلوث هوائي وتكوين السحب الدخانيّة المتصاعدة، فضلا عن التأثير السلبي للحرق على خصوبة التربة.


خطط

لا تبدو أنَّ المشكلات البيئيَّة في العراق سهلة، كما أن دور المنصّة والناشطين سيظل قاصراً ما لم تتحرّك الجهات الرسميّة بجديّة إذ يقدر مدير المنصّة حجم الانتهاكات المسؤولة عنها مؤسسات رسميّة بنحو 90% من الانتهاكات الكليَّة، فضلا عن مشكلات أخرى تتعلق بالمناطق المشعّة في العراق والالغام الارضيّة ومخلّفات الحروب والتي تقدرها الامم المتحدة بـ (50) مليون لغم في الأراضي العراقيَّة.

يضع جواد وزملاؤه هذا التحدي نصب أعينهم ويخططون لتوسعة عمل المنصّة، وفتح نوافذ خاصّة بالاشعاع وخرائط الألغام والتنسيق مع المنظمات والناشطين البيئيين في المحافظات لتوحيد جهودهم الراميّة للحد من مخاطر التلوث والانتهاك البيئي.