يشعُ بالنورِ لأنه الحُسين

منصة 2023/08/31
...

 احمد علي جودة

كل شيءٍ يشيخ ويَذبُل ويجفّ، الناس والأزهار وماء الأنهر، الأيام، تسرق جمال الأشياء كأنها منصةُ إِعدام، تدفع باتجاه الموت، لا وجهة إلا له. حتى الحُب الذي نميل اليه بعلاقاتِنا، هو الآخر يكون كزجاجةٍ هشّة، تحددُ صلابته الكلمة والوقت، ورغما عنهما لا يدوم.
كل شيءٍ أراه يسيرُ الى التغير والاِضمحلال مالا يتقيد بشفرةٍ سرية تدفعه أن أمكن للثباتِ من جانب، وهذا ليس بتعميمٍ مطلق، فالجانب الآخر أرى العكس فيه، إن كانت الأشياء تتغير هناك، فلهذا الجانب ثبات لا يقبل مفهوم التَّغيُّر حتى ولو سار إليه، جانب يتجسد بهيأة رجل جاء وصفه سلفاً في الكتاب المقدس- سفر أرميا-46 بـ”ذبيح نهر الفرات”، وإن ثباته دليل على الحقيقة التي اتخذها، ليكون بالضدِ من المتغيرات. اذ لا يهمه دوام الوقت فهو يتجدد باستمرار. يصف أدونيس أثره “هذا ما يحصل حين تكون حقيقياً، تُمسكُ التأريخ من قرنيه، وتسيّره إلى وجهتك”.
والحقيقةُ أن وجدت تؤدي الى الثبات بالتاريخ وتفتحُ منفذاً للخلود، فانفرد هذا الذبيح به.
عن رؤية الطبيعة، إن كانت الرياح أحد عوامل هذا المفهوم، فأني أرى لدمائه عينًا تنزل من السماء، تشكل جذرًا يشق الأرض، فلا تؤثر فيه الرياح إن هبّت، وما يختلف، إن جذوره هي من تُغذي، لا تَتغذى، وصموده يتمثل بدمائه التي تتدفق دون توقف.
أضـف، أن بمجرد حلول أيام ذكره على الناس، أراه يولد مرة اخرى، يَفضُ التُراب من كتفه ويفتح بيدهِ الحمراء قاعدة القبر، يشع منه النور، فيُسّيره نحو
الظلام، عندما تميل كفّة الأخير، كما تقول ليلي جيڤتي إكيتا “مفهوم النور يكتمل عندما يُجلب الى أماكن الظلمة”.
تعقيب، أن مسارَ الخليقة نحو اتجاهٍ واحدٍ لا فائدة منه فهو فناء لها؛ لذلك خلقَ الله الحق والباطل، النور والظلام لكي تتمحور الأَرض عليهما وتستمر بالتقدم نحو الازدهار  .
فتعود لانتعاشها منذُ وهلتهِ التي انتهت بدمهِ الى مالا نهايةَ بذكره، يتجددُ في كل حين نوراً ويولد.
حتى أنه يولدُ منذ ولادتِنا، يعيشُ معنا في البيت
نفسه رغم بساطتنا، نشاطره الأَلم والسعادة وهو لا يحب التكلّف أبدا، كما أخبرتني جدتي: أنه يرى
القلوب.
وكلامها ليس عبطا، اتذكرها جيدا، كانت تلتهج باسمه، تكلمه كفرد من العائلة، تستغيث به وتدعوه، فألتمست مايثير الإعجاب !
 يقف دائما معنا ومع من يحتاجه، يمد يد العون عند الوقوع، وإن بدت ملامحُ الظلام تسيطر على طريق الحياة، يتوهج، ويكون المرشد والدال، فنستمر بها، لأنه الحسين لأنه النور دائما.