الرمزيَّة في زيارة الحسين {ع}

منصة 2023/09/02
...

يعقوب يوسف جبر

ماذا تمثل زيارة الإمام الحسين عليه السلام لمحبيه من جميع الطوائف؟ تمثل نشاطاً مقدساً من خلاله يستذكر المحبون صفات هذه الشخصيَّة وأهمها صفة التضحية الإيجابيَّة، فلم يتخل الإمام الحسين "ع" وآل بيته وأصحابه أثناء حياته وأثناء معركة الطف عن مبادئه رغم تعرضه لمنتهى القسوة من قبل مناوئيه، والتي بلغ مستواها درجة تهديده بالقتل مع آل بيته وأصحابه ما لم يتنازل عن مبادئه وصفاته، فهم أرادوا منه أنْ يهادن السلطة الباغية، التي أضاعت حقوق المجتمع وفرطت بالمساواة بين أفراده، وحرفت أحكام الدين والشرع، لكنَّه أبى الخنوع والمهادنة مدركاً الى درجة اليقين أنَّه سينال الشهادة أبياً بعد دفاع شريف ومشروع عن قضيته العادلة.
نعم ضحَّى مجسداً التضحية بأبهى صورها النقيَّة رافضاً الحياة الرخيصة التي عرضها عليه أعداؤه وهي حياة الذل والهوان.
فلو كان قد استجاب لهذا العرض المغري فمعنى ذلك أنَّه منح الشرعيَّة للسلطة بوصفه سبط النبي "ص". فالمهادنة للسلطة الظالمة هي رواج ثقافة السلطة وزوال ثقافة الإسلام الحقيقي، وانتشار ثقافة الظلم واستفحالها حتى تتحول الى مسلمات ومبادئ مقدسة.
من هنا يمنح استذكار مأساة الحسين "ع" درساً لزواره كيف يرفضون العبوديَّة التي دأبت السلطة الحاكمة آنذاك على ترسيخ مبادئها وتحويلها الى فضيلة.
بل عملت السلطة الأمويَّة على إقناع الرأي العام آنذاك أنَّ الحريَّة تتناقض مع سياسة السلطة وتتناقض مع مبادئ الدين وأنَّ العبوديَّة والخضوع للسلطة الغاشمة هو الأساس المتين لبناء المجتمع والحفاظ عليه.
لكنَّ الحسين "ع" تحدى هذه الآراء الخاطئة وبين من خلال سيرته وخطاباته واحتجاجاته أنَّ صلب الدين هو تحرير الإنسان من عبوديَّة الإنسان.
ويقيناً عند ضريح الحسين "ع" سيظل الزائرون يستذكرون كيف حاولت السلطة الأمويَّة في عهد يزيد أنْ تنال من الإنسان ومكانته وتحوله الى أداة طيعة بيدها، فلم تكتف بتطبيق هذه السياسة على عامَّة المجتمع بل أرادت أنْ تطبق هذه السياسة على أفذاذ المجتمع، ومنهم الإمام الحسين "ع" لكنه كان جبلاً من الصمود، لم يهتز أو يترنح بل بقي ثابتاً صامداً.
هنالك محاولات في العصر الراهن من لدن المعادين للحسين "ع" ومحبيه قوامها تسفيه فعاليَّة الزيارة وتشويه صورتها الناصعة، وعدّها بدعة وانها مجرد فعاليَّة عبثيَّة لا تضر ولا تنفع.
لكنَّ هذا الرأي مردودٌ على من ذهب إليه، فالغاية الأساسيَّة من زيارة الحسين "ع" هي تهذيب الذات باتخاذ الإمام الحسين "ع" أسوة حسنة، في كيفيَّة التحلي بالإيثار والدفاع عن المظلومين والوقوف بوجه الظالمين والفاسدين والمطالبة ببناء مجتمعٍ صالحٍ رسالته الإسلام الحنيف.