باسم عبد الحميد حمودي
يبدو عنوان هذا الموضوع عن التشكيلي البغدادي طلال محمود (مواليد 1970) ناقصا ومخادعا أيضا.. ذلك أن هذا الفنان المهم متعدد المواهب يصوغ من كل مادة من البورسلين والحديد والدبابيس والسليكون وقطع الكرانيت الصغيرة تحفة تشكيلية أخاذة.
تخرح طلال محمود في معهد الفنون الجميلة ثم في أكاديمية الفنون ببغداد منصرفا إلى تأكيد بنية ذاتية للتشكيل النحتي وصياغة فنية عبر الأزميل والشمع ومواد التفتيت واللصق تشكيل أجسام فنية نحتية جديدة مثل (الأم) وقديمة (مثل المنحوتات الصغيرة في المتحف البغدادي) .
بدت قدرات طلال محمود الفنية المرموقة في نشاطه الواضح مع مجموعة (أزاميل) التي أسسها فنانون مجتهدون واضحو الملامح مثل هيثم حسن ونجم القيسي ورضا فرحان وسميرة حسين. كان معرضهم الأول المشترك قد أقيم في كانون الاول2017 لتحية أستاذهم صالح القره غولي، وكانت اعمال طلال محمود وسط هذا التجمع الذي ينتمي لتجربة النحت مميزة غريبة التفاصيل حيث جسد (المرأة) و(الام) في عدة منحوتات لم تشكل الجسد الأنثوي ككتلة خارجية، بل كانت منحوتاته استبطانا لدخيلة المرأة -الام، الحبيبة- التمثلات الأخرى من داخل البنية الجسدية باستخدام مواده المبهرة المتضادة التي يقوم أزميله الماهر بإعادة تجسيدها تشكيليا جامعا بين البرنز والحجر والشمع بـ (كركترات) متعددة النماذج.
وإذا كان طلال محمود قد جسد أعجابه بالفنان الكبير الشريف محيي الدين حيدر مؤسس معهد الفنون الجميلة ببغداد ببورتريه أخاذ، فأن ذلك يعد جزءا من وفاء الفنان للمبدعين الكبار الذين أسسوا للمسيرة الفنية العراقية، وكان مشروع الجماعة الفنية التي انتمى اليها (أزاميل) تاكيدا على احترامها للرواد الاوائل في فن النحت العراقي امثال جواد سليم ومحمد غني حكمت واسماعيل فتاح وسواهم.
كان عمل الفنان محمود في المتحف البغدادي طيلة ست سنوات قد ساعد في الحفاظ على بنية المتحف الفنية وترميم النتاجات الفنية الشعبية المهشمة نتيجة ايام النهب والضياع فعمد إلى ترميم تشكيلات الشخصيات الشعبية البغدادية، مثل بائع الرقي وصاحب عربة اللاندون وبائعة الباقلاء وعشرات الأعمال الأخرى المهشمة مستخدما الشمع للتجسيد واللصق والقماش الشعبي لرتق الفجوات وإعادة تجسيد الشخصية الشعبية مضيفا اليها شخصيات جديدة من الحارة الشعبية البغدادية.. ومنها سائق عربة الربل المجسد بالشمع، فضلا عن مظاهر الزفة البغدادية بكل تشكيلاتها الجميلة.
كان نجاح النحات في عمله في المتحف البغدادي قد استدعى انتدابه إلى متحف البصرة الشعبي حيث جسد الفنان عشرات الشخصيات الشعبية البصرية من سفانة وصيادين وبحارة وباعة شعبيين باستخدام ازميله العجيب لتجسيد تفاصيل مجتمع البصرة الشعبي.
إضافة لكل هذا كان طلال محمود قد نحت بنية تشكيلية جديدة لملحمة جلجامش، واعاد تجسيد ثور السماء في رحلة التيه بشكل اخاذ، وكان من أهم أعمال هذا الفنان المميز النصب الذي صنعه بأزميله الأخاذ في أحدى ساحات بكين في الصين وهو نصب (لقاء الحضارات) بدعم وتمويل الحكومة الصينية لضخامة العمل وكثرة تكاليفه، طلال محمود فنان كبير يستخدم أزميله بحرفية وعقل متجدد أضاف الكثير لفن النحت العراقي.