سأذهبُ.. لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا

منصة 2023/09/14
...

أكتب لك رسالتي هذه وفي نفسي لوعة تكدرني، وبين جنبي همٌّ يعكر صفو حياتي قارب العامين وربما زاد أشهراً. وما يزيد من همي ولوعتي هي تلك الشعرات البيض التي بدأت تبرز في كومة شعري فبدأت أكره كل بياض حتى بياض القمر وأحببت كل سواد حتى سواد الليل. وقد عزمت أنْ أكتب لك رسالتي هذه علّني أجد في مداد قلمك ما يكشف لي هذه الغمة التي تلوح لي بين الحين والحين، ولكي تكون ملماً بمشكلتي.. إليك بعض ما أرغب أنْ تعرفه.

أنا شاب أبلغ الثلاثين عاماً ولي زوجة وابن،مدرس لمادة الحاسوب ومبرمج كومبيوتر، وأستطيع القول إنني متفوقٌ على أترابي في التدريس والبرمجة، وأحب عملي كثيراً وأعشق القراءة التي هي بمثابة الطعام الذي لا أستطيع العيش من دونه.

أما مشكلتي فيمكن أنْ ألخصها بالبيتين الآتيين:

أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا     

             وآسَفُ أن أمضي ولم أُبقِ لي ذكرا

ويُؤلمني فرطُ افتكاري بأنَّني          

            سأذهبُ لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا

نعم، أيها المصلح الفاضل، فأنا أبحث عن مجدٍ يكون أنساً لي بقيَّة حياتي وتفخر به أسرتي وتسعد به حياتي، وكذلك فإنَّ أحلامي كبيرة ولكنَّ عمري لا يسع لتحقيقها وأشعر أني أمتلك المهارة لأبني مجداً، بيدَّ أني لا أملك الحيلة والرفقة لأصل إلى ما أسمو، لذلك فقد كتبت إليك سيدي الفاضل هذه الكلمات عساك أنْ تعالجني بنظرة من نظراتك التي طالما عالجت بها المحزونين.

أبو ماجد

عزيزي ابو ماجد:

الحالة التي تشكو منها ناجمة عن مصدرين، الأول يتعلق بطبيعة شخصيتك والثاني يخص أموراً نفسيَّة، ولنبدأ بالأول.

يمكن تصنيف شخصيتك أنها من النوع (الطموح) ومن خصائصها: طاقة وحيويَّة نشطة جداً، النزاهة، مشاعر دافئة، واهتمام بالناس. 

ومن أهم حاجاتها: أنْ تكون شخصيَّة مشهورة، وأنْ يستحسنها الناس ويقدروها بتميّز. وتتصف هذه الشخصيَّة بجوانب قوة أهمها: التفكير الإبداعي، والعمل بجدٍ مع الآخرين، والالتزام بمساعدة الناس. يقابلها جوانب ضعف أهمها: وضع أهداف غير واقعيَّة، وكثرة الشكوى، وغير قادرة على أنْ تقول «لا»، ومحاولة من دون توقف لعمل الكثير، وحساسيَّة مفرطة، ودافعيَّة زائدة.تفحص هذه الأمور في شخصيتك وستجد أنَّ هذه (الخلطة) من الصفات كانت سبباً في حالتك. فهذا النوع من الشخصيَّة (الطموحة) تضع أهدافاً عالية، ومع أنها مشروعة لكنَّ الواقع الموضوعي لا يساعد على تحقيقها كلها، فتعيش أزمة بين حقها في أنْ تكون مشهورة (بزودها) بما تمتلكه من قدرات وطاقة، وبين واقعٍ لا يسمح إلا بالقليل مما تطمح إليه.وفي ما يخص الأمور النفسيَّة، فأنت يتملكك الإحباط والشعور بالذنب بحق نفسك، وشيء من القلق الوجودي تفضي كلها الى الشعور بالتعاسة.

في ضوء هذا التحليل، فإنَّ الحل يكون كالآتي:

إنك الآن مثل سائق يسير بسرعة 180 في طريق لا يعرف الى أين سيوصله، وعليك الآن أنْ (تضرب بريك) وتتوقف، وهذه هي الخطوة الأولى. أما الثانية فتكون بأنْ تسأل نفسك: الى أين أنا سائر؟ والى أين سيؤدي بي هذا الاحتراق النفسي؟. والثالثة تكون بتغيير أسلوب تفكيرك ومحتواه من السلبي الى الإيجابي. وانتبه الى أنَّ أفكارك السلبيَّة ستقاوم التغيير لأنَّ عادات التفكير القديمة لا تندثر بسهولة.لا تضيع الوقت بالتفكير في أشياءٍ تريد التخلص منها، فالتفكير بالمشكلات يجعلها تبدو أكبر، ولن يساعدك على التخلص منها. ولا تفكر بالماضي وبما ضاع منك، بل ركز في مستقبلك. وثق بنفسك في أنَّك أنت الذي تصنعه وأنك في طريقك لأنْ تكون أفضل ما يمكن أنْ تكون، وأنَّ ما تحتاجه لسعادتك موجودٌ فعلاً بداخلك، فالإنسان وحده هو الذي يجلب التعاسة لنفسه وهو الذي يصنع الفرح لها بالرغم من أنَّ الحياة ممتلئة بالمشكلات

 والمنغصات.  

تحياتي