مشروع قانون حقوق شهداء (سبايكر).. قراءة وملاحظات

العراق 2019/05/06
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
تشكل جريمة القاعدة الجوية (سبايكر) جرحا غائرا ليس في ذاكرة الجغرافية والتاريخ العراقي  فحسب وانما في ذاكرة الجسد الانساني والتي تحتفظ في سجلاتها الدامية بمجموعة من المآسي الانسانية وقد جاءت  هذه الجريمة لتشكل حضوراً  متميزا لإرثها المدون بالدم والالم والدموع،  بالتأكيد ان عددا من المواد القانونية التي شكلت مشروع قانون حقوق شهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر)  المعروض امام انظار السادة اعضاء مجلس النواب العراقي والذي تمت قراءته من قبلهم وبانتظار التصويت عليه،
لا يمكن ان يمنح شهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر) حقوقهم او تعويض ذويهم  عن آلامهم الكبيرة وهم يستعيدون شريط ذاكرة لمقتل ابنائهم او ابائهم او اخوانهم او اقاربهم او اصدقائهم او جيرانهم او ابناء مدينتهم او ابناء وطنهم فما حدث في حزيران عام 2014 كان انعكاسا لهمجية وبوهيمية قتلة ومجرمين حركهم سلوكهم الاجرامي وافكارهم ومعتقداتهم الارهابية  وقد حرصت كل التشريعات والقوانين  الداخلية والدولية على ادانتها وبضمنها الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها المنظمة الدولية بالإجماع والتي اعتبرت  جريمة الابادة الجماعية جريمة دولية في عام 1948 ودخلت حيز التنفيذ عام 1951 وقد تضمنت الاتفاقية تعريف الابادة الجماعية بِمُوجِب المادة الثانية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة،
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا،
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة،
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وقد سار المشرع العراقي  على هدى التشريعات الدولية في تجريم جريمة الابادة الجماعية التي تعرض لها خلال معركته مع تنظيم داعش الارهابي فقد جاء في الاسباب  الموجبة لمشروع قانون حقوق شهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر) (من اجل ادانة الجريمة التي ارتكبها تنظيم داعش الارهابي  في القاعدة الجوية (سبايكر)  في حزيران من عام 2014 ، ولإنصاف ذوي الشهداء بتحقيق العدالة من خلال انفاذ القانون ،وعدم السماح للجناة بالإفلات من العقاب ولتعويض المتضررين ماديا ومعنويا  ولتعريف المجتمع الدولي بجرائم تنظيم داعش الارهابي ولتخليد ذكرى الشهداء ومنع طمس الحقائق  شرع هذا القانون وقد نصت المادة (1) :  يعد ضحايا جريمة القاعدة الجوية سبايكر والتي وقعت في شهر حزيران من عام 2014 في محافظة صلاح الدين من قبل تنظيم داعش الارهابي شهداء سواء الذين عثر على رفاتهم ، ام المفقودين اللذين لم يعثر على رفاتهم لحد الان . 
وبقراءة للمادة الاولى  نرى اضافة المرتكبة من تنظيم داعش الإرهابي والمجموعات الارهابية الاخرى هذا من جانب ومن جانب اخر ورد بنص المادة ان المفقودين الذين لم يعثر عليهم سيمنحون صفة شهداء  وهو امر يستدعي  اكمال الاجراءات القانونية بذلك واعتبارهم  شهداء في نص القانون هو امر منشئ لحالة الاستشهاد والإجراءات القانونية الخاصة بالمفقود  والتي تنص عليها  المادة (87) من قانون رعاية القاصرين والتي تلزم بإعلان حالة الفقدان بقرار من المحكمة ولم يلزم الاعلان في الصحف حسب التطبيقات سابقاً التي تنص على أشعار مديريات الشرطة من قبل قاضي التحقيق المختص للإعلان عن الفقدان بموجب تعليمات تتضمن أسم المفقود الكامل واوصافه ومحل سكناه وعمله وصورة شخصية له مع ضبط افادة المخبر واخذ شهادة الشهود وأعلام مديرية رعاية القاصرين ومحاكم الاحوال الشخصية بذلك لاتخاذ كل منه ما يلزم وحسب الاختصاص وهذه المعلومات لن تتوفر في الاعلان في الصحف عن حالت المفقود  كما ان المادة (93) فقرة (2) من قانون رعاية القاصرين (للمحكمة أن تحكم بموت المفقود في احدى الحالات التالية : 
الفقرة (2) اذا مرت اربع سنوات على اعلان فقدانه 
الفقرة (3) اذا فقد في ظروف يغلب فيها افتراض هلاكه ومرة سنتان على اعلان فقده وهنا لابد من الاشارة ان الكثير من المفقودين نتيجة الحروب والنزاعات وهي معروفه سلفاً ونعتقد أن التطبيق يمكن أن يصار اليه مع الاخذ بنظر الاعتبار عن حالة الفقدان في مشروع القانون وتكون بكتاب تأييد فقدان من وزارة الدفاع  و المفقود والذي يعرفه القانون المدني العراقي رقم (40) لسنه 1951 وفقاً للمادة (36/1 ) (من غاب بحيث لا يعلم احي هو أم ميت يحكم بكونه مفقود بناْ على طلب كل ذي شأن)  ونرى بان العبارة الاصح  في مشروع القانون تكون (ويعتبر المفقودين الذين لم يعثر على رفاتهم بحكم الشهداء حتى التحقق والعثور على رفاتهم او انتهاء حالة الفقدان بقرار الاستشهاد من المحكمة المختصة) وهو الامر الذي تؤكده المادة  (2 ) من مشروع القانون والتي نصت (يتمتع شهداء القاعدة  الجوية (سبايكر)  بجميع حقوق الشهداء اسوة بإقرانهم شهداء وزارة الدفاع والمادة  (3) تعتمد القوائم المعدة بأسماء الشهداء من وزارة الدفاع تطبيقا لهذا القانون، فشهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر) هم من منتسبي  وزارة الدفاع اما المواد الاخرى من مشروع القانون فتضمنت حقوق الشهداء ووضع حد لمعاناة ذويهم عبر النص في المادة (4) على الزام  الجهات المختصة اكمال الاجراءات الخاصة بفتح المقابر خلال (6) اشهر من تاريخ التصديق على هذا القانون كما اوجبت في المادة (5 ) على وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة اكمال اجراءات تطبيق البصمة الوراثية  (الحمض النووي) وتسلم الرفات لذويهم مدة لا تزيد عن (6 اشهر)  من تاريخ المصادقة على 
القانون. 
وفي باب ملاحقة القتلة اشار النص بشكل واضح في المادة (6)  على عدم شمول  مرتكبي جريمة القاعدة الجوية (سبايكر)  باي عفو عام او خاص و لا تسقط عنهم العقوبة بالتقادم للجنح منهم وعلى الجهات القضائية متابعة الفاعلين والمشاركين والمساهمين او المساعدين او المسهلين  او المحرضين على ارتكاب الجريمة وفرض العقوبات القانونية بحقهم وتوفير الحماية للشهود . 
والحقيقة ان النص المذكور تضمن نصوص قانونية باستثناء مجرمي القاعدة الجوية من اي عفو عام او خاص وعدم سقوط العقوبة وهو شان كل الجرائم في قانون العقوبات العراقي الذي لم يأخذ نظام التقادم باستثناء قانون رعاية الاحداث وقد وردت عبارة (الجنح) للدلالة ربما باستثناء الجانحين الاحداث من مجرمي القاعدة الجوية (سبايكر)  ان كانوا احداثا عند ارتكاب الجريمة من حق اسقاط العقوبة بعد مرور فترة زمنية  كما نصت المادة على الزام الجهات القضائية بمتابعة  الفاعلين والمشتركين بالمساعدة او التحريض وحماية الشهود .وفي باب تخليد الشهداء الزم مشروع القانون وزارة الثقافة وامانة بغداد و الجهات المختصة   بتخليد شهداء القاعدة الجوية بنصب تذكارية او منشورات تؤكد اعتبارها جريمة ابادة جماعية وهذه المادة تضمنت خطوة داخلية لتعريف الاجيال ببشاعة تلك الجريمة وهي منطلق لتعريف المجتمع الدولي بهذه الجريمة حيث نصت المادة (7):  على وزارة الثقافة وامانة بغداد  والجهات المختصة تخليد شهداء القاعدة والتعريف بها كجريمة ابادة جماعية وقد اردفتها المادة (8) :   التي الزمت وزارة الخارجية ومؤسسة الشهداء والمفوضية العليا لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني بالتعريف بجريمة شهداء القاعدة الجوية (سبايكر )في المحافل الدولية باعتبارها جريمة ضد الانسانية وجريمة ابادة جماعية وانتهى مشروع القانون في المادة (9) بالزام الجهات المختصة برعاية ذوي الشهداء وتقديم الدعم المادي والمعنوي  وبالأخص وزارة الاسكان والاعمار عبر تخصيص قطع اراضي لهم وشمولهم بسلفة الاسكان ، ان قانون شهداء القاعدة الجوية (سبايكر) هو تكريم واستحقاق متأخر لجريمة هزت الضمير الانساني وتركت ذوي الضحايا في رحلة مؤلمة بين الألم بفقدان احبتهم والعثورعلى رفاتهم بمقابر جماعية تجاوزت اليابسة.