قصبتان مندرستان.. سورا والنيل

ثقافة شعبية 2023/09/21
...

 شكر حاجم الصالحي

 

في كتابه (( معجم القصبات والقرى في محافظة بابل)) الصادر عام 2020م، استطاع المؤرخ الراحل د. عبد الرضا عوض أن يمنحنا زاداً معرفياً لم نكن على دراية بتفاصيله، اذ قدّم لنا كشفا وافياً بأهم القصبات والقرى التي انتشرت في محافظتنا، مما وفر لنا ما كنا نجهله عن هذه الأماكن التي شكلت حضوراً فاعلاً في حياة مواطنيها، وسنحاول هنا عرض بعض ما أنجزه الدكتور عوض في مؤلفه القيم، على أمل أن يطلع عليه الباحثون عن الأصول والتواريخ المضيئة لهذه التجمعات البشرية التي تناثرت على مدى عقود في مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية المنتجة، وستكون بدايتنا مع (سورا) المندرسة والتي ذكرها ياقوت الحموي 

بقوله:

هي مدينة السريانيين بالعراق من أرض بابل، حسنة متوسطة القدر، ذات سور وأسواق وبها عمارة كافية ونخيل وأشجار وبساتين وهي مدينة بابلية قديمة تقع بجوار الحلة..                                                                                    لقد كانت سورا من مراكز تجمع اليهود بعد السبي البابلي، وكانت مقر الرئيس الأكبر للطائفة اليهودية المسمى رأس الجالوت الذي أنشأ فيها مدرسة دينية عام 219م أسهمت مع المدارس اليهودية الأخرى بإخراج التلمود، وبقيت هذه المدرسة مزدهرة زهاء تسعة قرون حتى اغلاقها في خلافة القادر بالله العباسي (991- 1031م)،ومن الجدير ذكرة ان في سورا كان الرابي (آشتي) اشهر أحبارها، وقد نسبوا إلى سورا صناعة الخمور، إذ قال ابو جفنة القرشي:  

وفتىً يدير عليّ من طرف له

خمراً تولد في العظام فتورا

ما زلت أشربها وأسقي صاحبي

حتى رأيت لسانه مكسورا

مما تخيره التجار ببابل

أو ما تعتقه اليهود بسورا

ويذكر المؤرخ عبد الرزاق الحسني أن أثار سورا ومعالم نهرها لا تزال موجودة وهي بالقرب من مركز قضاء الهاشمية ويسميها أهل تلك النواحي المحيطة بها باللهجة الدارجة (سورة)، ومنها العالم الفاضل الشيخ مقداد بن عبد العزيز السيوري (ت 826هـ)، وتؤكد المصادر الوثيقة أن معالم نهرها لاتزال ماثلة تشاهد من الجانب الغربي من نهر الفرات،وفي الزمن الحاضر نشاهد من غرب مجرى النهر سوراً وتلاً كبيراً يقع في منتصف طريق الهاشمية/ القاسم يشتهر عند سكان المنطقة بـ(قبر السفاح) وربما تكون ذاتها أطلال سورا القديمة أو مدينة الهاشمية التي بناها ابو العباس السفاح قرب قصر ابن هبيرة وانتقل اليها مع حاشيته وانصاره من الكوفة.. وتختلف الآراء وتتعدد وجهات النظر،فهناك رأي يفيد أنها تقع في مقاطعة أبي سمج من توابع هاشمية الكوفة على مقربة من قصبة الكفل، وتظل (سورا) إحدى قرى محافظة بابل التي شهدت أحداثاً مهمة مازال المهتمون يتداولون أخبارها بعد هذه القرون الطويلة..

النيل 

مدينة عامرة قبل أن يمصرها المزيدون سنة (408هـ) وجعلوها عاصمة ملكهم من (408- 495هـ) على أثر انتقال الامير صدقه بن منصور إلى أرض الجامعين ومصرّ الحلة والنيل تقع على النهر الذي حفر في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 82هـ، وبقايا أثار النيل مازالت قائمة في الجانب الشرقي للطريق الدولي قرب (سريديب) الآثارية، وقد ورد ذكرها في كتاب البلدانيات، هجرها أغلب ابنائها وأسرها العلمية بعد تمصير الحلة ومن الأسر الذي أقامت فيها في عهد المزيدين : آل نما،ال طاووس، آل العلقمي،والسادة الحسينيون، وآل معيّه، ومن أشهر شعرائها الحسين بن الحجاج النيلي (379هـ)الذي قال قصيدته الخالدة بحق البلغاء الامام علي ((ع)) والتي جاء فيها:

يا صاحب القبة البيضا على النجف

من زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم

تحظون بالأجر والإقبال والزلف

زوروا الذي تسمع النجوى لديه فمن

اذا وصلت إلى ابواب قبته

تأمل الباب تلقى وجهه وقف

وقل سلام من الله السلام على

اهل السلام وأهل العلم والشرف

ومن علماء النيل المندرسة:

نظام الدين علي بن محمد النيلي، بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي، ومن شعرائها الافذاذ سعيد بن مكي النيلي، وعلي بن ابي العز القويقي النيلي، ولم يبق من النيل غير تلال واطلال موحشة وواقع مؤسف لمن يراها واخيراً.