كيف كافح الفن الدكتاتورية؟

العراق 2019/05/07
...

فداء سبيتي
كما سبق الذكر فان عددا كبيرا من اللوحات الفنية تم حرقها او تدميرها الا ان عددا لا بأس به تم بيعه في الخارج بهدف تمويل الحزب. بعض الفنانين الذين هربوا الى المنفى تيسّر لهم متابعة الرسم ومن خلاله النقد السياسي، البعض الاخر ممن بقي في المانيا تحت المراقبة تمكّن من الرسم بالسر وتخبئة الأعمال التي تم اكتشافها بعد الحرب العالمية الثانية. 
الفنان الالماني المعروف اوتو بانكوك (1893-1966)، صديق لماكس ارنست وأتو ديكس، كان من ضحايا هذه المرحلة السياسية. بانكوك كان من محبي شعوب السنتي والروما او ما يعرف بالغجر, اذ كانوا ابطال لوحاته حتى انه كان يستعير ملامح الغجر لرسم مواضيع دينية كشخص السيد المسيح مثلا. 
خلال الحكم النازي تمت ملاحقته واقتحام محترفه الفني ومصادره لوحاته التي تضمنت الوجه الغجري، كما أزيلت أعماله الفنية من المنصات الفنية كافة للسبب نفسه. لوحته “هوتو 2” تمت مصادرتها وعرضها في ميونيخ 1937 كفن منحط بسبب وجه الفتاة هوتو الغجرية التي كانت بدورها صديقة للفنان.
اما الفنانون فقد تمت ملاحقتهم بسبب العنصرية الدينية وكره النازيون لما يعرف بالعرق السامي. بعضهم تم اعتقاله في سجون المانية وفرنسية، بينما تمكّن عدد منهم من الهرب، ومن لم تسنح له الفرصة فقد تم 
قتله. 
الفنان أوسكار تزيغل (1892-1968) الذي اهان برسمه وزير البروباغندا جوزيف غوبلز وانتقد في لوحاته السياسة النازية والفاشية، تم تهديده بالقتل ان لم يغادر المانيا. 
لهذا السبب هاجر الى اسبانيا وتابع هناك رسالته الفنية ونقده السياسي عبر الرسم، ثم هاجر مجددا الى الأرجنتين بعد تحالف الألمان مع الاسبان. 
في لوحته “ايكاروس” التي تجسد قصة ايكاروس الذي حاول الطيران بجانحين من الشمع، المعروفة في الميتولوجيا اليونانية، يقارن النازية والفاشية بهذه القصة. 
ايكاروس لم يستمع الى وصية والده بعدم مغادرة جزيرة كريتا لكن بسبب غروره واعتقاده بقدرته على ذلك اقترب عند تحليقه في سماء الجزيرة من الشمس التي احرقته. 
ان كبرياء ايكاروس يشابهه الفنان رابوس بكبرياء الفاشيين والنازيين الذين كانت البروباغندا الخاصة بهم تروّج لإنقاذ العالم، ولمّح للنازية في اللوحة من خلال رسم الطير في لحظه وقوعه كالرمز النازي.
اما الفنان جورج نتزبند (1900-1984)، فقد عبّر في لوحته “دير زيغر” أي الفائز أو المنتصر عن رؤاه لحرب قادمة ستحمل معها الخراب والموت والدمار وكذلك الهزيمة, وهو ما حصل بالفعل اثناء الحرب العالمية 
الثانية. 
في لوحته تلك رسم الموت على شكل هيكل عظمي يقف بفخر على تلة من الجثث والجرحى منهن المرضعات وأطفالهن. 
وينظر من فوق كتفه اليسار الى الخلف مرتديا بدلة احد المراتب العسكرية الرفيعة، وخلفه مساحة شاسعة من مدينة بعيدة في الأفق لا يرى فيها الا خرابا ورمزا من رموز العاصمة برلين محطما، أي برج الارسال المرتفع عاليا. في لوحته هذه، يعتبر الرسام بأنه في الحروب ليس هنالك من منتصر سوى الموت والدمار.
هنالك العديد من الفنانين الذين عايشوا تلك الحقبة والذين لم تسنح لهم الظروف السياسية بالوصول الى  مراتب الشهرة، والذين يتم اكتشافهم رويدا رويدا. 
وهنالك متاحف عديدة تعرض أعمالهم من خلال معارض مؤقتة, كما أن هناك متحف مختص بتلك الفنون المضطهدة  ويعرض هذا الفن بشكل دائم وهو “مركز الفنون المضطهدة فبي متحف زولنغن” في المانيا.     
 
* كاتبة لبنانية واكاديمية مختصة بتأريخ الفن تقيم في المانيا