علي لفتة سعيد
في أعماله المتنوّعة يبدو الفنان التشكيلي أو الرسام كما يحلو أن يوصف به نجد أن الانطباعيَّة أو النقل الواقعي مع القليل من المخيلة في تغيير الحركات أو جمع المتناقضات أو نقل التجمّعات، وكأنه يريد نقل العدسة الفوتوغرافيَّة لتكون ناقلةً عبر حركة فرشاةٍ لها دقّة عالية ليس في خداع العين، بل في ممارسة المشهد في عملية تلقٍّ لا تبحث عن حركية اللون وترتيب التأويل، بل للبحث عن حركة الخطوط وإن كانت لونيةً لكنها تنطق بالانتقال من مرحلة التفتيش عن تأويلٍ حركي، إلى دهشةٍ حركية، تنازع اللون في مزجه وأعلاء قيمته. فلا يمكن مغافلة اللون في اللوحة، لكنه هنا في لوحات عماد جواد لا يأتي اللون ككأسٍ معلّى، بل لمساوقة المعنى التشكيلي ليكون مرايا اللوحة المراد تأطيرها. فما بين الانطباعية التشكيلية واللون ثمة تناصف لا غلبة لأحد على أحد في الطرفين.
فما بين النقل الطبيعي ليس الاستنساخي وما بين المتخيّل الواقعي تسكن لوحاته. ولأن الفنان الانطباعي كما يصف فيه رسامو الموجة الطبيعية تتبين مقدرته في الزوايا غير المرئية لما يمكن نقله على قماشة اللوحة أو الحافّات الدقيقة، فإنه تميّز بحركة الخيول سواء كانت جامحة أو هادئة، لأنها تعكس المقدرة الفنية لديه، ولهذا فإنه يحاول في الكثير من الأحيان مغادرة الرسم المرآتي إن جاز التعبير ليتحوّل إلى الرسم الانعكاسي الذي يمازج بين حركة الفرشاة تارة أولى، واستخدام اللون في تغطية المساحة الكلية للوحة تارة ثانية أو نهايات الخطوط المشاركة في صناعة الصورة تارة أخرى. فاللوحة لديه عالم مرئي يريده ناطقًا بالواقعية حين ينظر المتلقّي لها فيهم مكانها وحتى زمانها، إن كانت في أمكنةٍ تاريخيةٍ كلوحات كربلاء القديمة أو أسواق الجواري أو حركة (الجاموس) في أهوار العراق أو حتى وجهٍ التقاه في أحد المقاهي أو صناعة يدويَّة من الصناعات التراثية والآنية, فإنها جميعها تشكّل له همًّا من أجل الخروج من عنق الواقعية البحتة إلى مساحة المتخيّل الواقعي، ولهذا نجد أن عملية المزج بين التشكيل الحداثوي وبين الواقعية الانطباعية تغلب عليها روح النقل المرآتي، ولكن بروحية التشكيل. وهو ما لا يجد فيه صعوبة لنقل الأفكار التي يراها أمامه سواء عبر اللقاء المباشر أو عبر المتخيّل الواقعي الذي يراه عبر وسائط نقل عديدة.
ربما تأتي هذه العملية كونه ابن بيئة واقعيةٍ كما يقول هو، فهو ابن كربلاء التي منحته الهوية الواقعية عبر المحمولات والدلالات الطقسية وكذلك المحاولة للخروج من معادلة البيئة والفن، لذا فهو مهمومٌ بالإنسان المرتبط بالبيئة والتي جاءت به الولادة في الأماكن التي تعجً بالتداخل سواء عبر الزيارات التي تشهدها المدينة أو عبر الطقوس التي تمارسها في المدينة لتشكّل لديه منطقة الدلالة العليا، لهذا كانت البيئة مصدر إلهامه مثلما هي مصدر الخروج من المكان الواحد إلى المكان العام من أجل صياغة لوحةٍ تكون قريبةً لكل المتلقّين، سواء كانوا متذوقّين للفن أو مشاهدين للوحة، يفهمون مغزاها أو كما يقول هو إن لوحاته لا يريدها هروبًا نحو الغموض، بل تكون طافحةً بالحضور والفهم، لأن المشاهد يريد فهم اللوحة لا التناقض معها، رغم أنه يحدّد مفهومه أن لكّل فنّانٍ طريقته، وهو لا يريد الخروج من الواقعية حتى لو ارتدى لوحة المتخيّل.