جواد علي كسّار
إذا صادف أن اختلفنا مع محمد بن إبراهيم المشهور بصدر الدين الشيرازي (ت: 1050هـ)، حول مقولة الحركة الجوهريّة، وما ذهب إليه من أنّ للأشياء حركة في الجوهر، وليس في الأعراض وحدها، فهل يسوّغ لنا هذا الاختلاف، أن نطلق على صاحب «الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة» وصف «المدعو»، ونضع وراء ظهورنا، تراثه المعرفي العقلي والنقلي، من «الأسفار» إلى تفسير القرآن الكريم؟!
وهل يجوز لنا أن نرمي أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ) بالوصف ذاته، ونقول عنه «المدعو» لمجرّد أنّنا نختلف معه، فيما ذهب إليه من نقد الفلاسفة، في كتاب «تهافت الفلاسفة» ونُسقط عن الاعتبار التراث المعرفي للغزالي، من «إحياء علوم الدين» إلى «جواهر القرآن»؟!
وإذا لم تعجبنا متبنّيات ابن عربي (638هـ) عن الأعيان الثابتة والوحدة الشخصية للوجود، فهل يكفي ذلك دليلاً، أن نصفه بـ «المدعو»، ونهمل تجربة هي من كبريات التجارب الروحيَّة والمعرفيَّة، تجلّت في موسوعة «الفتوحات المكيَّة» و«فصوص الحكم» وما بينهما من تراث كبير؟!
وحيث ننتقل إلى التراث الفكري المعاصر، وتكون لنا رؤية نقدية عن منطقة الفراغ عند محمد باقر الصدر، أو أصول التناشز والبداوة والازدواج عند علي الوردي، أو مفهوم الدولة والعقل والحرية عند عبد الله العروي، أو تقسيمات العقل عند محمد عابد الجابري إلى برهاني وبياني وعرفاني، أو نظرية الجبهات الثلاث عند حسن حنفي، أو تفسير الخلق والوجود عند حسام الدين الآلوسي؛ فهل تكفي اعتراضاتنا على هؤلاء وأضرابهم، أن نطلق على كلّ واحد منهم وصف «المدعو»؟!
المؤسف أنّ هذا اللون من الازدراء والاستخفاف والتنابز، تحوّل إلى لغة طاغية راحت تهيمن على بيانات تتصدّر الساحة المعرفية، وأصحابها يبادرون إلى وسم ذوات فكرية ومعرفية وزينة، بلفظ «المدعو» مع أدنى اختلاف مع هذه الذوات، وكأنّ أصحاب هذه البيانات المعترضة، يتكلّمون عن أصفار عن الشمال، ومجموعة جُهّال، وليس عن مفكرين لهم في الإنتاج المعرفي قدم راسخة، أمضوا من أعمارهم عشرات السنين في العلم والثقافة، وأغنى كلّ واحد منهم المكتبة العربية بعشرات المؤلفات! لستُ أريد أن أدخل بتحديد التفاصيل لكي لا أصبّ الزيت على النار، حيث بمقدور كلّ واحد منّا أن يستحضر، أنموذجاً أو أكثر لهذه البيانات المسيئة المتعالية، وقد استفزني أحدها من لبنان لأحد أبناء الذوات رحمه الله، يطلق وصف «المدعو» على كاتب وباحث ومفكر عراقي، قرأناهُ صبية يافعين في مرحلة المتوسطة، ولا يزال يُواصل إنتاجه على مدار خمسين عاماً أو يزيد، توجها بأكثر من ثلاثين كتاباً، ومع ذلك فقد كان نصيبه من صاحبنا، الذي لم نقرأ له كراساً، نعته بـ «المدعو» في البيان المذكور!
في سجال آخر اختلف فيه كاتبان عراقي مقيم في استراليا ولبناني مقيم في إيران، تحوّل العراقي إلى «مدعو» في ردّ اللبناني، مع أن كليهما تصدر كتبه عن ناشر واحد!
أعتقد أنَّ هذا الجنوح إلى سحق الآخرين وتدميرهم، عبر تصفيرهم معرفياً، وإلغائهم فكرياً، هو مرض أخلاقي عميق، لفئة من «النخبة» تعيش على «الشأنيات» والعناوين، وتتغذى على أمجاد الآباء والأجداد!