هل تسير الولايات المتحدة بشكلٍ أعمى نحو حربٍ كارثيَّة جديدة؟

منصة 2023/10/26
...

 مصطفى بيومي
 ترجمة مسلم غالب

في صباح يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر، تلقيت رسالة بريد إلكتروني من قبل مدير شؤون المحاربين القدامى في جامعة مدينة نيويورك، التي أدرّسُ فيها. جاء في البريد الإلكتروني: "نظرًا للأحداث الحاليَّة الخطيرة في الخارج، هناك احتماليَّة أنْ تقوم وزارة الدفاع بتفعيل الخدمة لمختلف الأعضاء قبل أو بحلول الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 2023".
هل تقودنا الولايات المتحدة بشكلٍ أعمى إلى حربٍ كارثيَّة جديدة؟ لم تأتِ هذه النوعيَّة من المعلومات فقط من جامعتي، بل أفادت شبكة NBC News أيضًا بأنَّ نحو 2000 جندي أميركي تمَّ تكليفهم بالاستعداد للانتشار لدعم إسرائيل. في حين يستعدُّ البعض للحرب، هل يجب علينا نحن عامَّة الناس أنْ نسعى بقوة إلى بدائل للعنف، خاصةً قبل أنْ نجدَ أنفسنا في حربٍ عالميَّة لا يمكن لأي شخصٍ السيطرة عليها؟
هذا سيكون الخيار الصحيح، ولكنْ يبدو أنَّ السياسيين الغربيين الذين يحكمون من خلال العبارات الرنانة، مصممون على السماح لإسرائيل بمواصلة قصف غزة. في القمة الطارئة في القاهرة لزعماء العالم المجتمعين لمعالجة العنف في غزة وإسرائيل، كان أكثر ما يمكن لوزير الخارجيَّة البريطاني، جيمس كليفرلي فعله أنْ يدعو الجيش الإسرائيلي إلى "الانضباط والاحترافيَّة وضبط النفس". وهذا لا يريح البال بالطبع. في الوقت نفسه، كان التزام الولايات المتحدة بالعبارات الفارغة أسوأ بكثير. صرح جو بايدن في 19 أكتوبر، من مكتبه في البيت الأبيض، والعالم ينهار أمام أعيننا: "القيادة الأميركيَّة هي ما تجعل العالم متماسكاً".
العنف في غزة يستمر بوتيرة شرسة. وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينيَّة، حتى يوم السبت الماضي، قتل 4385 فلسطينيًا وأصيب 13651 آخرون منذ بدء إسرائيل بقصف القطاع . ويشمل القتلى 1756 طفلاً و967 امرأة. وقد نزح أكثر من مليون فلسطيني خلال الأيام العشرة الماضية، وفقًا للأمم المتحدة، التي أعربت أيضاً عن قلقها ليس فقط بشأن رفاه المصابين ولكنْ أيضاً بشأن النساء الحوامل اللائي يقدر عددهنَّ في غزة بـ 50000 أمرأة. ناهيك عن تدمير العديد من المرافق الصحيَّة في جميع أنحاء القطاع، فإلى أين تتجه هذه النساء؟
فضلاً عن قطع إمدادات الغذاء والماء والكهرباء والأدوية عن سكان القطاع بأكملهم، استهدفت إسرائيل أيضًا المدارس والجامعات والكنائس والمساجد والمستشفيات (فضلاً عن قصفٍ لا تتبناه لمستشفى أهلي) ومخيمات اللاجئين ومعبر رفح وحتى المخابز. هل تعتقد إسرائيل حقاً أنَّ قصف المخابز يسهمُ في دفاعها عن النفس؟ هل يوجد هناك شيءٌ مثل طحين حماس يجب القضاء عليه؟
إنَّ جنون هذه الأفعال يتساوى فقط بالاعتقاد الجنوني بأنَّ القصف المتواصل وبلا رحمة للمدنيين يعاقب حماس ويجلب السلام لإسرائيل. في الواقع، العكس تمامًا، ولكنَّ هذا التفكير العجيب في بلاد العجائب يتمُّ التعبيرُ عنه مرارًا وتكرارًا من قبل القادة والمتحدثين باسم إسرائيل وحلفائها. وما يفشل هذا الموقف في الاعتراف به هو أنَّ حرمان الفلسطينيين من وطنهم ودولتهم الخاصة كان دائمًا في صميم الموضوع.
الحل المستدام الوحيد للعنف الحالي لا يتمثل في إرسال حمولة قنابل مصنعة في الولايات المتحدة، ولكنْ في معالجة هذا الإقصاء ومعاملة الشعب الفلسطيني على قدم المساواة. في نهاية المطاف، سيتطلب ذلك مفاوضات ترتكز على العدالة والمصالحة. لا حماس ولا الحكومة الإسرائيليَّة قادرة على تحقيق ذلك. بدلاً من ذلك، لدينا غزوٌ بريٌّ يهددُ بالحدوث، والذي سيكون كارثة للفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة بأكملها. وعندما يبدأ الغزو البري، من المؤكد أنَّ التوصل إلى وقف إطلاق النار سيكون أصعب بكثير. لهذا السبب، فإنَّ وقف إطلاق النار من جميع الأطراف، جنبًا إلى جنب مع العودة الفوريَّة والآمنة لجميع الرهائن، ضروريٌّ الآن. هذه ليست صعبة للاستيعاب. ينبغي أنْ يكون من الواضح أنَّ تقليل قتل المدنيين هو الأفضل، وأنا أتشبث بشدة بالاعتقاد بأنَّ معظم الناس في العالم يفهمون هذا. ولكنْ يجب أنْ ننتبه لأولئك الذين لا يبدو أنهم يهتمون.
في 18 أكتوبر، اقترحت البرازيل قراراً لمجلس الأمن يدعو إلى "وقفٍ لأهدافٍ إنسانيَّة" في قصف إسرائيل لغزة، وليس حتى وقف إطلاق النار. وفي الكونغرس الأميركي، وقع أكثر من اثني عشر ديمقراطيًا على مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي قدمته كوري بوش، عضوة الكونغرس عن ولاية ميزوري. وصف النائب الديمقراطي جوش جوتهايمر أعضاء حزبه بـ "المتطرفين" لدعوتهم إلى وقف العدائيات وتخفيف العنف. والجانب الجمهوري أسوأ بكثير. يربط المرشحون الجمهوريون للرئاسة، من ترامب إلى معظم المرشحين الآخرين، دعم فلسطين بالهجرة غير الشرعيَّة. لا تطلبوا مني إيضاح الأمر. إنها وجهة نظر جمهوريَّة.
إنَّ الجمهوريين أصماءٌ وقلوبهم قاسية وهذا ليس بالأمر الجديد. ولكننا لا ينبغي أيضًا أنْ ندعَ الديمقراطيين يختزلون القضيَّة الأساسيَّة بالنسبة للتهجير الفلسطيني إلى إحدى القضايا الإنسانيَّة الأخرى.
بينما تكون الحاجات للبقاء على قيد الحياة حادة حاليًا، فإنَّ السؤال ليس فقط عن السماح بمرور 20 شاحنة أو 100 شاحنة عبر معبر
رفح. الفلسطينيون يستحقون الحريَّة، بعد كل ما عانوه وليس مجرد المساعدات.
لذلك، فإنَّ الدعوة إلى وقف إطلاق النار ضروريَّة بالتأكيد، ولكنها ليست كافية. إذا كانت نتيجة وقف إطلاق النار هي العودة إلى الوضع القائم، فإنَّ كل ما قمنا به هو إعدادُ وصفةٍ لأسوأ دورة تكراريَّة، الأمر الذي يضع الجميع في مزيدٍ من الخطر. بدلاً من ذلك، يجب علينا الاستماع إلى سيريل رامافوسا في جنوب أفريقيا. خلال كلمته في قمة القاهرة، دعا رامافوسا "جميع الجهات الحكوميَّة إلى التوقف عن تزويد أيٍ من الجانبين في هذا الصراع بالأسلحة"، ودعا إلى "عمليَّة تفاوض تقودها الأمم المتحدة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". ما يعنيه رامافوسا هو أنَّ الولايات المتحدة لم تعد قادرة على قيادة الطريق في حل هذه المسألة.
على مدى عقودٍ، حاولت الولايات المتحدة تمرير نفسها على أنها "وسيطٌ أمينٌ" بين إسرائيل والفلسطينيين، في الوقت نفسه تزود إسرائيل بأسلحتها المتطورة وتوفر الغطاء السياسي اللازم خلال توسعها المستمر في الأراضي الفلسطينيَّة.
لا ينبغي لنا أنْ نقبل هذا التناقض بعد الآن. لا يمكن للولايات المتحدة أنْ تقول إنها تعمل من أجل السلام والحرب في الوقت ذاته. يجب على الكونغرس عدم إخماد نداءات وقف إطلاق النار. ولا ينبغي استدعاء المواطنين الضعفاء مثل طلابي وغالبيتهم ينحدرون من الطبقة العاملة إلى الخدمة العسكريَّة بسبب هذا الأمر. القيادة العالميَّة الحقيقيَّة في هذه اللحظة تعني التخفيف من التصعيد ووضع رؤى لمستقبلٍ عادلٍ للجميع. ولكنْ بدون المطالبة بوقف إطلاق النار في المستقبل القريب، فإنَّ التزام الولايات المتحدة المزعوم بالسلام يبدو فارغًا ويشعر بأنَّه تمَّ تحجيمه بواسطة إدمانها الحقيقي على خوض الحروب.

عن صحيفة الغارديان البريطانيَّة