هدى أسعد: التجريب والانطباعيَّة

منصة 2023/10/30
...

 عمان: يعرب السالم


الحياة هي ألوان من دون رتوش.. والفنان بكل ما أوتيَّ من حب يسكب شغف روحه في اللوحة.. فتارة هي ناطقة بالفرح أو الحزن، وتارة هي وشاية لذاكرة لم تصب بالنسيانات.. تفاعل فرشاتها مع الألوان يخلق عوالم موشاة بالجمال الفني المدهش.. جمال يبهج الروح ويجعل الألوان ترقص بحرية وسعها الكوْن.. إنها دون شك فلسفة هدى أسعد في الفن..
أتسمت رحلة هدى أسعد الفنيَّة بالتنقل عبر مدارس فنية عديدة، فهي خريجة كلية ومعهد الفنون الجميلة التي درَّس وتخرج منها خيرة فناني العراق، واستفادت من خلال التعلم والتأثر بمبدعين تشكيليين عراقيين أمثال رافع الناصري، وفائق حسن، ومحمد مهر الدين، وسلمان عباس، في صقل تجربتها الإبداعيَّة التشكيليَّة في التعرف على المدارس الفنية المتعددة، كما كانت مرحلة كلية الفنون غنية بالمعرفة على يد أساتذة عدة مثل ناظم حامد، حيدر خالد فرمان، والدكتور محمد الكناني.
وكانت أغلب أعمالها الفنيّة تميل للتجريب والحداثة وفقا لرؤية عصريَّة للفن.. مثلما أضاف السفر لها فرصة الإطلاع على الأعمال العالمية والتأثر بها كتجربة الرسام الفرنسي الشهير كلود مونيه (1840 – 1926)، الذي إشتهر برسوماته الإنطباعية والتي أخذ أسمها عن لوحته الشهيرة  «إنطباع شروق الشمس». كان ذلك عندما شاركت في معرض مشترك في باريس 1919، حمل عنوان «من برج بابل إلى برج باريس».
سخرت هدى أسعد الحضارة والمعرفة الرافدينية في لوحاتها عبر استلهام الكتابات والأشكال العمرانية والهندسية. فكانت الحروف المسمارية والعجلة والأهِلة وحتى الألوان تغوص في العتاقة لإضاءة المشهد الفني.
الطبيعة والبرية حاضرة بقوة في أعمالها التجريدية والإنطباعية، فالأشجار في لوحاتها ترمز للحياة والخِصب والديمومة، وقد جسدت ذلك في أحد معارضها الذي أسمتهُ «فضاءات حرة». بدأت رحلتها الفنية الثرة ومشاركتها في المعارض من بداية التسعينيات بمعرض الواسطي 1990، وتلتها العديد من المعارض الشخصيَّة والمشتركة في عدة دول عربية وأجنبية مثل لبنان ومصر وتونس والأردن وفرنسا وغيرها.
كما أن لها ميزة فنية طاغية هي حرية تحريك الكتل والأشكال الفنية بفرشاة متمرسة تضفي تناغما هارمونيا للألوان بالنسبة للمتلقي، وتشي بتعاطف جميل مع اللوحة أو الرسومات.
ميلها للتجريب وحسب رؤيتها يعطي مساحات تأويلية ورؤية بصرية جديدة، تُسهم في الخلق والإبتكار من خلال دمج الأشكال المعرفية وتحقيق معادلة فنية جديدة.
ووفقا لرؤيتها فهي تجد أنَّ العمل الفني يخلق فضاءات واسعة، ولايحدد بإطار يقيده، مع ترك فضاء الفكرة مفتوحاً وبخلفيات ومديات ذات ألوان فاتحة توحي بالانفتاح والاتساع مع اختيار أسلوب فني معاصر يلائم فكرة العمل أو ماهية الرسالة الفنيَّة التي يريد الفنان إصالها إلى العالم. إنها ميثولوجيّة عراقيَّة فنية عميقة التأصل بالجذور قدمتها برشاقة عبر لوحاتها التي تسافر معها أينما حلت.