يواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الرد على منتقدي قرار اللجنة العليا للانتخابات إلغاء نتائج انتخاب رئيس بلدية اسطنبول الكبرى يوم 31 آذار الماضي، وإعادة عملية الانتخاب يوم 23 حزيران المقبل، إثر قبول لجنة الانتخابات اعتراضات تقدم بها الحزب الحاكم، في وقت أبدت فيه اللجنة استعدادها لتنظيم عملية التصويت الشهر المقبل، وسط انشغال وسائل الإعلام التركية بتقدير أهمية إعادة الانتخابات وتخمين من سيكسب معركتها في العاصمة الاقتصادية، بعد أن أسفرت جولة آذار الملغية عن فوز أكرم إمام أوغلو، مرشح تحالف المعارضة، على بن علي يلدرم، مرشح التحالف الحاكم، بفارق عشرات الآلاف من الأصوات.
تصدي الحزب الحاكم للانتقادات
وتصدى عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، في مؤتمر صحفي عقده داخل مقر الحزب ليل الجمعة، لانتقادات سياسية وإعلامية، طالت قرار إعادة الانتخابات.
واستنكر جليك تصريحات لمورغان أورتاغوس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، قالت فيها: إن "اللجنة العليا للانتخابات في تركيا اتخذت قرارا بإعادة الانتخابات، بعد التصديق على نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول في 31 آذار". وأضافت "مثل أصدقاء تركيا الآخرين؛ نلاحظ هذا القرار الاستثنائي"، مشددة "نحث السلطات التركية على إجراء هذه الانتخابات وفقا لقوانينها، وبطريقة تتسق مع التزاماتها لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ووضعها كحليف للناتو، وتطلعاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
وردّ جليك على أورتاغوس بقوله "بينما تتظاهر الولايات المتحدة بالحرص على الديمقراطية، فإن العالم يسجل كيف أنها تدعو لانقلاب عسكري في فنزويلا، والإطاحة بزعيم منتخب هناك"، مشددا على أن "حزب العدالة والتنمية سيحترم النتيجة التي ستتمخض عنها انتخابات الإعادة، حتى لو كان الفائز بفارق صوت واحد، نظرا لمعالجة ملف المخالفات، واستكمال النواقص".
وانتقد المتحدث باسم الحزب الحاكم الآراء المنتقدة في وسائل الإعلام الأجنبية
أيضا.
وقال المتحدث "تصدر آراء في بعض وسائل الإعلام، وخاصة الأجنبية، من قبيل أن إعادة الانتخابات يعني غيابا للديمقراطية"، متابعا "على العكس؛ الانتخابات لا تعاد في البلدان التي لا توجد فيها ديمقراطية".
استكمال تحضيرات انتخابات الإعادة
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات استكمالها التحضيرات اللازمة لإعادة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول في 23 حزيران.
وأفادت اللجنة، في بيان، بأنها قررت اختيار رؤساء لجان صناديق الاقتراع وأعضائها من الموظفين الحكوميين حصرا.
وكان أحد طعون الحزب الحاكم الموجبة لإعادة الانتخابات هو تعيين مديرين وموظفين في مراكز الانتخاب من خارج القطاع العام، وبينهم متهمون بموالاة فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والمدان تركياً بالوقوف وراء محاولة انقلاب تموز 2016.
وذكرت لجنة الانتخابات أنها ستوزع على الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات قوائم بأسماء رؤساء وموظفي لجان صناديق الاقتراع.
تقليل إعلامي من جدوى الإعادة
وتنشغل الصحف والمواقع التركية بتناول جدوى إعادة الانتخابات، ومن سيفوز فيها، بعدما قرر تحالفا الحكم والمعارضة الإبقاء على إمام أوغلو ويلدرم مرشحين في جولة الإعادة أيضا.
وكتب فاتح ألتايلي، في صحيفة خبر تورك "يثور فضول القراء ويتساءلون: ماذا ستكون نتيجة انتخابات بلدية اسطنبول في 23 حزيران؟". ويكمل "يعلم متابعو هذا العمود أنني منذ الأول من نيسان كتبت باستمرار أن الانتخابات سوف تعاد. وأضرب لكم مثلا من الماضي للذين يريدون أن تعاد الانتخابات". ويستطرد "في الانتخابات المحلية عام 1977 انتخب محمد كجه جيلر لرئاسة بلدية قونيا الكبرى، فمارست الحكومة آنذاك ضغوطا على اللجنة العليا للانتخابات، ودفعتها لإعادة الانتخابات، ونتيجة الإعادة حصد كجه جيلر أكثر مما حصل عليه في الانتخابات الأولى"، مستخلصا "هذا يعني أن الناخب حريص على صوته، ويكفي ألا يكون هناك تلاعب في صناديق الاقتراع".
ولم يقتصر انتقاد قرار إعادة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول على المعارضة التركية وداعميها من دول ووسائل إعلام، فقيادات من الحزب الحاكم انتقدت القرار بينها عبد الله غول الرئيس التركي السابق، وأحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي الأسبق.
وعلق سعيد الحاج، الباحث في الشأن التركي، على هذه المواقف، عبر مقال كتبه لموقع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية الرسمية TRT، قال فيه عن قرار إعادة الانتخابات "سيكون لهذا القرار تداعياته على المشهد السياسي في البلاد بطبيعة الحال، فهو سيديم مرحلة الغموض وانتظار النتائج شهورا إضافية بما في ذلك الحملات الانتخابية التي ستطيل أمد الاستقطاب السياسي والتراشقات الإعلامية والحزبية".
ورأى الحاج أن "العملية الانتخابية تبدو مفتوحة على سيناريوهات عدة وغير مضمونة العواقب بالنسبة للعدالة والتنمية والشعب الجمهوري على حد سواء"، مستدركا "لكن يبقى المحك الأهم والأخطر في انتخابات الإعادة هو مرورها بسلام أولا واعتراف الجميع بنتائجها ثانيا وعدم التشكيك في نزاهتها واستقلالية اللجنة التي تديرها لما لذلك من تأثيرات سلبية مباشرة في التجربة الديمقراطية التركية التي لا تزال فتية".
وخمّن الباحث في الشؤون التركية أن "الارتدادات الأهم ستكون داخل العدالة والتنمية نفسه وليس فقط في مواجهة المعارضة، خصوصاً إذا ما تكررت نتيجة الجولة الاعتيادية وفاز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، إذ ستكون تلك في الغالب شارة إطلاق الحزب السياسي المرتقب بقيادة ثلة من قيادات الحزب السابقين"، مستنتجا "لذا، ومن زوايا عدة، تبدو جولة الإعادة محطة فارقة في تاريخ العدالة والتنمية قد يكون لها ما بعدها، ولذا فقد رأى الكثيرون - وكاتب هذه السطور منهم - أنه كان في غنى عنها، بغض النظر عن مدى مشروعية ما طالب به وفق الدستور وقانونيته
وأحقيته".