الفكرة الشائعة عن الكبتِ تلخصها العبارة العراقيَّة (ظل اكبت واكبت الى أن يجي يوم تنفجر). وكثيرون لا يفرّقون بين الكبتِ وكتمان ما لا يصح البوحُ به، والغالبيَّة لا تعرف الحالة النفسيَّة والصحة البدنيَّة والعقليَّة للإنسان المكبوت حين يصل الى حالة الشعور باليأس.لنبدأ بشيخ المحللين النفسيين فرويد الذي انشغل كثيراً بدراسة الكبت وتوصل الى أنه «صراع بين رغبتين متضادتين، وأن ما يحصل فيه أن دوافع (الهوَ) غير المقبولة اجتماعياً أو أخلاقياً أو دينياً (محرّمات) يجري قمعها ودفعها لتستقر في اللا شعور. وأن الكثير من رغباتنا يتمُّ كبتها ولا تصل الى وعينا (شعورنا) إلا في صورة غامضة متنكرة أو في حلم هو الآخر غامض أو كابوس».
التخلص من شعور القلق
ورأى فرويد أنَّ الإنسان «يمارسُ الكبتَ للتخلص من شعور القلق والضيق الذي يعانيه بسبب ورود عوامل متضاربة القيم والأهداف، فيبعد عن شعوره تلك الرغبات والدوافع والحاجات التي لا يتفق تحقيقها مع القيود التي بُنيت في نفسه على شكل مثلٍ وقيمٍ وتقاليد، وبأبعاد (الدافع الممنوع) وكبته في اللاشعور فإنَّه يضمن لنفسه حالة من الهدوء العقلي والاستقرار النفسي».
وأهم ما قاله فرويد عن الكبت أنَّه عدَّه «أخطر الوسائل الدفاعيَّة الأخرى (الإسقاط، التحويل)؛ لأنَّ المصاب به بدلاً من أنْ يعملَ على تنفيذ ذلك الدافع فإنَّه ينشغلُ في سلوكٍ بديلٍ آخر يتمثل في: إما أنْ يجد مخرجاً لذلك الدافع، أو يتحصن بحماية إضافيَّة ضد ذلك الدافع، أو بكليهما».
ونضيف لما قاله فرويد، أنَّ «الكبت يصيب كثيرين من الذين لديهم حساسيَّة مفرطة تجاه الناس والمواقف، ورغبتهم الشديدة في كتمان غضبهم، و تحدثهم عن أسبابه، وعدم إدراكهم أنَّ الإفراط والمبالغة في ذلك يؤثران سلباً في حياتهم النفسيَّة والاجتماعيَّة».
وأدهشني روائيٌّ أميركيٌّ اسمه (ويليام ستايرون) ألَّفَ كتاباً بعنوان (الظلام المرئي) يحكي فيه تفاصيل موجعة لمعركته مع الاكتئاب. ووصف المصاب به بأنه يصبح مثل المُغيب عقلياً والسائر في نومه حيث لا يشعر بأنَّه إنسانٌ رغم أنَّه يستطيع التحرك والتحدث. ويذكر أنَّ الأديب الكبير (ألبير كامو) كان يعاني من الاكتئاب، ويرى أنَّ رجال الأدب والفن أكثر الناس عرضةً للاكتئاب، وهذه الملاحظة صحيحة من متابعتنا لأدباء وفنانين عراقيين بينهم من أنهى حياته
منتحراً.
أضرار الكبت
من خبرتنا الشخصيَّة في تعاملنا مع حالات تراجعنا، واطلاعنا على دراسات عربيَّة وأجنبيَّة، فإنَّ أكثر ما يحدثه الكبتُ في المكبوتِ هو التوتر العصبي والقلق النفسي الناجم عن تراكمات ضغوطٍ نفسيَّة لم يستطع تحملها. ويسبب هذا التوتر العصبي الناجم عن الكبت مشكلات وأمراضاً جسديَّة، أكثرها إزعاجاً هو مرض (القولون العصبي)، ضغط الدم، الأرق، الذبحة الصدريَّة، الربو، تساقط الشعر، اضطراب الذاكرة، التهاب المفاصل، واضطرابات الدورة الشهريَّة لدى النساء.
ليس هذا فقط بل أنَّ الكبتَ يسببُ الخجلَ والخوفَ عند بعض الأشخاص، لدرجة أنَّهم لا يستطيعون القيام بممارسات يحبونها خوفاً من تعليقات غيرهم عليها، فيقومون بالانغلاق على أنفسهم ويلبسون أقنعة وهميَّة تجعلهم محجوبين عن الآخرين، لأنَّهم يشعرون بعدم الثقة بالنفس ويخافون من ردود أفعال من حولهم.
وإنْ كنت تعرف بعضاً أو كثيراً من الأضرار التي ذكرناها، فأنَّ كثيرين لا يعرفون أنَّ الكبتَ يؤدي إلى شعور المرء بالتمرد حين يتعرضُ للقمعِ فيقوم بالتمرد على كلّ ما حوله من أفكارٍ وظروف، وقد يبالغُ في الأمر فيتصرف باستهتارٍ ورغبة في تدمير الآخرين.
أحد أهم أسباب الإرهاب
وقد تندهشُ إذا قلنا لك إنَّ الكبت هو السبب وراء الكثير من السرقات والكذب ومظاهر الاستهتار بين الشباب، بسبب تعرضهم الى ضغوطٍ اقتصاديَّة واجتماعيَّة ودينيَّة أدت إلى إصابتهم بالكبت فخرجت مشاعرهم بتصرفاتٍ غير
أخلاقيَّة.
ومؤكدٌ أنَّ كثيرين لا يعرفون بأنَّ الكبت يشكل أحد أهم أسباب الإرهاب لدى الشباب بشكلٍ خاص! أخطرها أنَّ الكبت يدفعهم الى الانتحار من أجل الدين، للفوز بالجنة التي تنتظرهم فيها حور العين.