العملُ التَّطوِّعي.. إسهاماتٌ ايجابيَّةٌ في البِنية المجتمعيَّة

الباب المفتوح 2023/11/08
...

  قاسم موزان 

 تصوير: صباح الربيعي 

للعمل التطوعي إسهامات جديَّة في المجتمعات الحيويَّة لإحداث تغيّرات ايجابيّة في البنية المجتمعيّة على المستويات الثقافيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة كافة، وتأتي هذه الأعمال من منطلق اهتمام الأفراد بالواقع المعاش وحاجته لسد الفراغات الخدماتيَّة والإغاثيّة والاعانات، جراء النزوح أو الكوارث البيئيّة وتعزز في الوقت نفسه الروح الوطنيّة لدى الجماعات، ولا يبحث المتطوعون عن الأضواء خلال قيامهم بمجهودهم، إنما تحفيز الآخرين على المشاركة الفاعلة لبلورة فكرة المشاركة بعيداً عن الصور النمطيّة.

ولعل من المفيد القول إنّ التغيرات التي تشهدها بغداد بمشاريع البرنامج الحكومي، مع اضافات جماليّة لافتة من خلال توسعة الشوارع وتزيين الساحات وإنارتها، هنا يبرز دور المنظمات التطوعيّة لإزالة ما تعرّضت له العاصمة من تشوّهات تصل حدَّ الإساءة المقصودة، وتحتاج الأعمال التطوعيَّة إلى جهات ساندة خصوصاً في المجالات الخدمية.

الى ذلك أوضح أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسيّة العراقيّة بأنّ علماء النفس والاجتماع والدين اتفقوا على أن العمل التطوعي له منافع سيكولوجية واجتماعية واخلاقية ودينية، وقد سبق ديننا الإسلامي كل العلوم في تبيان التعاون على الخير موثقة بآيات في القرآن الكريم وأحاديث نبويّة شريفة، كما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً أن اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾، مبيناً أنّه «سيكولوجياً واجتماعياً يعمل العمل التطوعي على إماتة الاتكالية المتأصلة في الشخصية العراقيّة، ويسهم في إدراك الفرد لدوره ومسؤوليته بين الشباب، وتنمية مفهوم العطاء والتعاون بين الأفراد الذي يؤدي لا شعورياً إلى تنمية مشاعر المودة والحب». 

ولفت صالح إلى أنّ «التطوع علاج نفسي لكثير من الأمراض والاضطرابات النفسيّة، فهو يقضي على الخجل والميل إلى العزلة والشعور بالإحراج وبعض حالات القلق والأرق بشكل أسرع من أي برنامج علاجي آخر». 


ديمومة المجتمع  

من جانبه قال الباحث الانثروبولوجي د. يحيى حسين زامل: إنّ «الأعمال التطوعيّة تدخل ضمن مفهوم «التعاون» الذي يعد سلوكاً واتصالاً يقوم على مبدأ التضامن والتآزر بين أفراد المجتمع، والتعاون هو العمل الإيجابي في استمرار المجتمع وتطوره وتقدمه، على الرغم أن العالم اليوم يسعى نحو الفرديّة، تاركا الجماعيّة والعمل الجماعي والتطوعي، وهو ما أشار إليه عالم الاجتماع أميل دوركايم من أنّ «المجتمع قد تغير من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي»، وتقسيم العمل والتخصص لكل فرد في المجتمع. 

وأشار زامل إلى أن العمل الجماعي والتطوعي يركز على الروح الجماعية التي باتت غائبة هذه الأيام مع تماهي الفرد مع السلوك المادي والفردي الذي أحال الإنسان في عصر ما بعد الحداثة كفرد منقطع عن الآخرين، الذي استعاض عنه في وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع الافتراضي، مضيفاً: «من ضرورات استمرار ديمومة المجتمع هي الأعمال التطوعيّة، سواء الطبيّة أو الإنسانيّة أو في ما يتعلق بالنظافة». 


الروح الوطنيَّة

بدوره، بيَّنَ حسين الحمداني أن الأعمال التطوعيّة تندرج ضمن نطاق الخدمة العامة مثل بناء وترميم المدارس وحملات رفع النفايات والقمامة وإضاءة الشوارع وغيرها من الأعمال، ومن جانب آخر ما يجري من ترميم وبناء وحدات سكنيّة للحالات الخاصة من المحتاجين لها من الفقراء والأرامل والأيتام، وهذه الأعمال تعزز الروح الوطنيّة وتمسكهم بوطنهم من جهة، ومن جهة ثانية تقوي العلاقات الاجتماعيّة، لافتاً إلى أن الكثير من الحالات قد تكون أكبر من قدرة العمل التطوعي وتبقى إمكانياته أقل من إمكانات الدولة.


الحسُّ الاجتماعي

أما الناشط المدني خلدون سالم النيساني فأبدى تقديره للعمل التطوعي بوصفه ظاهرة إيجابية ونشاطاً إنسانياً مهماً، فهو سلوك حضاري يسهم بتعزيز قيم التعاون، ومن خلال هذا العمل يتاح للفرد أن يشعر بأنّه فرد فعّال ومشارك في البناء الاجتماعي، وتعد هذه الأعمال ذات دلالة ومؤشر حساس على مسؤولية أفراد المجتمع تجاه ما يقدمونه للغير من فائدة، مضيفاً: أنّ «انعكاسات العمل التطوعي تزيد من قدرة الإنسان على التفاعل والتواصل مع الآخرين». 


أفكار ناضجة

وعبّر الكاتب والناشط المدني عصام كاظم جري عن تقديره للمبادرات التي تناولت قضايا كثيرة ومنها محاربة التشرّد والعنف، والعنف الأسري، والتسرّب من المدارس، وتعاطي المخدرات والادمان، فضلا عن التوعية في محاربة الجريمة وإيجاد حلول ناجعة لها، وسعى بعض الشباب المتطوع لإقامة الندوات الثقافيّة والفكريّة والمعرفيّة التي ترفع من شأن الواقع الثقافي، فضلا عن توزيع الاعانات على الأسر المتعففة، حاثاً الدولة على الاهتمام بالشباب والعناية بهم ودعم مبادراتهم وأفكارهم الناضجة وإيجاد فرص تستوعب طاقاتهم

والإفادة منها.