مسلم غالب
كيف تشكل وسائل الإعلام الجماهيرية الرأي العام في المجتمعات الرأسمالية؟ كيف يلتقي كل من السياسة والإقتصاد ليشكلا الخطاب الإعلامي المؤدلج؟ ما هو دور المؤسسات القوية مثل الحكومات والشركات الكبرى في تشكيل الرسائل الإعلامية التي تنقلها وسائل الإعلام إلى الجماهير؟ كيف تؤثر ملكية وسائط الإعلام والسيطرة عليها، على المعلومات التي يتم نشرها للجمهور؟
بأى طرق تعمل وسائل الإعلام الجماهيرية كأداة للحفاظ على الوضع الراهن وتعزيز البنى السلطوية القائمة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يناقشها نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان في كتابهما "تصنيع الإذعان: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية".
تُعدُّ نظرية تشومسكي وهيرمان في تصنيع الإذعان من أهم النظريات النقدية، التي تفسر كيف يتم تشكيل الرأي العام والتلاعب به في المجتمعات الغربية. تقدم هذه النظرية أنموذجًا لفهم كيفية استخدام وسائل الإعلام من قبل الحكومات والمؤسسات القوية للتأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو آراء
معينة.
تشير نظرية تصنيع الإذعان إلى أن وسائل الإعلام الجماهيرية في المجتمعات الرأسمالية تعمل كأداة للطبقة الحاكمة، للحفاظ على سلطتها وسيطرتها على الجمهور العام. يتم استخدام وسائل الإعلام لتشكيل الرأي العام وخلق توافق حول مصالح الطبقة الحاكمة، بينما يتم قمع وإخماد وجهات النظر البديلة والأصوات المخالفة.
يرى نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان أن وسائل الإعلام الغربية في كثير من الأحيان، تعمل كأداة لتصنيع الإذعان لسياسات وأفعال الحكومة، وترويج مصالح النخبة المسيطرة، بدلاً من تقديم التحليل المستقل والنقدي. تتأثر وسائل الإعلام الجماهيرية بشدة بالمصادر الحكومية والشركات، التي تزودها بالمعلومات وتشكل تقاريرها.
إن اعتمادها على المصادر الرسمية للمعلومات يؤدي إلى تضييق وجهات النظر ويجعل نظرتها أحادية وبعيدة كل البعد عن التعددية، التي تزعم بأنها تتمتع بها. وكذلك يؤدي إلى إنحيازها للطبقات والشرائح الإجتماعية التي تمثلها ويبعدها عن الموضوعية والحيادية. تعمل وسائل الإعلام الجماهيرية ضمن نظام رأسمالي يعطي الأولوية للربح على حساب المصلحة
العامة.
تمتلك الشركات الكبرى وسائل الإعلام الجماهيرية وتسيطر عليها، والتي لديها مصلحة مباشرة في ترويج مصالحها الخاصة ومصالح النخبة السياسية والاقتصادية.
وفقًا لتشومسكي وهيرمان، يتم التحكم في وسائل الإعلام الجماهيرية من قبل عدد قليل من الشركات والأفراد، الذين لديهم مصلحة مشتركة في الحفاظ على الوضع الراهن. تستخدم هذه الشركات والأفراد سيطرتهم على وسائل الإعلام لتعزيز مصالحهم الخاصة وتشكيل الرأي العام بطريقة تفيدهم. يتم تحقيق ذلك من خلال مجموعة متنوعة من التقنيات، بما في ذلك اختيار قصص الأخبار، وتأطير المسائل، واستخدام
الدعاية.
واحدة من التقنيات الرئيسية التي تستخدمها وسائل الإعلام لتصنيع الإذعان هي اختيار نشرات الأخبار. تميل وسائل الإعلام إلى التركيز على القصص المثيرة للجدل أو التي تعزز السرد السائد، في حين تتجاهل القصص التي تتحدى الوضع الراهن أو التي تنتقد الطبقة الحاكمة. تستخدم وسائل الإعلام أيضًا تقنية تأطير المسائل، وغالبًا ما تقدم المسائل بطريقة تعزز الأيديولوجية السائدة، وتهمل وجهات النظر
البديلة.
تستخدم وسائل الإعلام الغربية، الدعاية لتشكيل الرأي العام. الدعاية هي استخدام المعلومات للتأثير على معتقدات ومواقف الناس. تستخدم وسائل الإعلام الدعاية لخلق شعور بالخوف وعدم الأمان، ولتشويه صورة بعض الجماعات، ولتعزيز مصالح الطبقة الحاكمة. تعتمد وسائل الإعلام الجماهيرية على إيرادات الإعلانات، ما يخلق تضارباً في المصالح بين الحاجة إلى نقل الحقيقة والحاجة إلى جذب
الإعلانات.
في الخلاصة، تكشف نظرية تشومسكي وهيرمان، الطابع الأيديولوجي لوسائل الإعلام الغربية وتسلط الضوء على علاقات السلطة السياسة والإقتصادية في المؤسسات الإعلامية مما يهدد حريتها ويشكل تحدياً كبيراً لموضوعيتها، وتشير نظرية تصنيع الإذعان إلى التضليل الإعلامي، التي تمارسه وسائل الإعلام الجماهيرية في المجتمعات الغربية والولايات المتحدة على وجه التحديد، حيث تعمل على إعادة إنتاج التفاوت والتمييز الاجتماعي، وتثبيته من خلال تشكيل الخطاب الإعلامي المسيطر وخلق الغطاء التبريري لممارسات السلطة التي تصب في مصالح النخبة، والقوى الحــاكمة فـي المجتمعـات الرأسـمالية
الحديثة.