مؤسسة الشهداء: اكتشفنا إدراج قتلى {الدواعش} ضمن دائرتنا

ريبورتاج 2023/11/13
...

  يوسف المحمداوي

  تصوير: نهاد العزاوي

الشهيد وما أقدسها من كلمة وما أغلاها وأبهاها في قلوب البشر جمعاء، فكيف لا تنحني لجثامين أبطالها البيارق وتقرع الطبول وتطلق الزغاريد، كيف لا تؤذن لها المساجد، وتدق لها أجراس الكنائس وتوقد لها شموع المعابد، وهي من أسماء الله الحسنى عند جميع الأديان السماوية، جاء في كتب اللغة: الشهيد: الحاضرُ.

وكُلُّ مَا كان شَهِد اللَّهُ فإِنه بِمعنى عَلِمَ اللَّهُ، وقَوْم شُهُود أَي حُضور، واسْتُشْهِدَ: قُتِلَ شهِيدا. والشَّهِيدُ: الحيُّ. والشَّهِيدُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ، وَقِيلَ: الشهيدُ الَّذِي لَا يَغيب عَنْ عِلْمه شَيْءٌ، وكما يقول الكاتب والباحث اللبناني الشيخ اسماعيل حريري: هذا العشق الإلهي للقتل في سبيل الله، ونيل مرتبة الشهادة كان يتمناها الأولياء والصالحون على مرّ التاريخ.

دمٌ يسفك بغير حق
ما نشهده في أيامنا من سقوطٍ للشهداء في هذا السبيل، ما هو إلا استمرارٌ للقافلة المباركة التي بدأت منذ قتل قابيل أخاه هابيل، فكان أوّل دمٍ يُسفك بغير حق، ولن تنتهي ما دام العدل لم يحكم، والظلم منتشراً، وستبقى القلوب تهفو إلى الوصل بسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) لتحصيل الكرامة الكبرى، والمقام العظيم. والأمة كل الأمة مدينةٌ لهؤلاء الشهداء، شهداء الفضيلة والحق ببقائها وبقاء دينها وعقيدتها وكرامتها مدى الدهر، تستذكرهم وتحتفي بهم وتقتدي بآثارهم وتسير على خطاهم، وتحفظهم في أهلهم وعيالهم وأولادهم، فهذا بعض الوفاء بالدين، والجزاء الأكبر عند الله الذي لا يُضيع أجر المحسنين.

التأسيس والمسؤولية التاريخية
(جريدة الصباح)، التي تعوّدت وعوّدت الجميع على ديمومة الاستذكار والمطالبة بحقوق هذه الفئة المؤمنة والنقية ببذل الأنفس والنفيس من أجل الأرض والعرض، تجولّت في خيمة مؤسسة الشهداء الراعية لحقوقهم والمحافظة والمؤدية لواجباتها اتجاه أسرهم لتلتقي في البدء بأحد جنود هذا المركز الخدمي المهم الدكتور سجاد حسين معن الحسناوي مدير الدائرة الادارية والمالية في مؤسسة الشهداء، الذي استقبلنا في مكتبه، على الرغم من الزخم الهائل من المراجعين، ليبين لنا بموضوعية تنم عن حرص الرجل في نقل الواقع، الذي تعيشه المؤسسة، والايجابيات التي حققتها والسلبيات التي تعمل بها بعض المحافظات والتي تعيق أداء وعمل المؤسسة، كما ورد في سياق حديثه التالي حيث أكد لنا: أن المؤسسة تأسست من أجل تحقيق العدالة الانتقالية، من أجل تعويض فئة كبيرة ومهمة من المجتمع التي تعرضت للظلم أبان سلطة النظام المباد، وكما هو معروف الجرائم الكثيرة والكبيرة، التي لحقت بشريحة واسعة من المجتمع في ظل سلطة الطاغية، وتاريخ التأسيس انطلق في العام 2006، وكانت في البداية متخصصة بضحايا حزب البعث المنحل، من الذين تمَّ إعدامهم بسبب الانتماء للأحزاب المعارضة لذلك النظام الاجرامي، الذي حارب الفكر والإيمان بقضية الوطن وفي جميع الشرائع السماوية محاربة الفكر تعدُّ من الجرائم الكبرى.

220 ألف شهيدٍ و160 ألف جريح
الحسناوي أوضح بأنه بعد تغير الأحداث وتسارعها أدخلت على عمل المؤسسة قوانين جديدة، ففي العام 2014 وبعد اجتياح داعش للأراضي العراقية أصبحت المؤسسة راعية لشهداء النظام المباد وشهداء الحشد الشعبي، علما أن شهداء الأعمال الارهابية والفكر التكفيري، التي حدثت بعد العام 2003 كانت مسؤولية حقوق الشهداء من صلب عمل المحافظات، من خلال لجان مشكلة من قبل مجالسها وبالتنسيق مع الوزارات المختصة، لكن بعد تفاقم الملفات وزيادتها، بحيث وصل عدد الشهداء والجرحى الى 380 ألفا، وعدد الشهداء الى ما يقرب من 220 ألف شهيد، والجرحى الى ما يقرب من 160 ألف ما بين عسكري ومدني، لذلك أضيف هذا الملف أيضا الى مؤسسة الشهداء، وهذا الامر عدل بقانون ما يسمى (عشرين عشرين)، أي أن المؤسسة بدأت العمل بهذا الملف منذ العام 2017 إلى يومنا هذا.

10 آلاف شهيد من الحشد الشعبي
وهذه تركة كبيرة تحملتها المؤسسة بحسب قول الحسناوي، موضحا أن المؤسسة التي عملت منذ العام 2006 لمعالجة شهداء النظام المباد لم تنجز ما نسبة 50 % من ملفات ضحايا ذلك النظام، أما شهداء الحشد الشعبي لم نغطِ سوى حقوق 68 % من شهداء الحشد، والبالغ عددهم عشرة آلاف شهيدا، وخصصت (100) مليار دينار، والتي تسمى بمبالغ الأمن الغذائي، تمَّ صرفها لشهداء العمليات الإرهابية والاخطاء العسكرية، ولكن تفاجئنا بموازنة 2023 لم يتم صرف دينارٍ واحدٍ للمؤسسة، والسبب في ذلك كما علمنا لاحقا أن وزارة التخطيط اعتمدت في توزيعها على موازنة 2021، والتي كان فيها حصة المؤسسة صفرا، وبعد المراجعات مع مكتب رئاسة الوزراء، وكذلك وزارة  المالية تمت اضافة مئة مليار دينار عراقي لشهداء الإرهاب، وهذا المبلغ من خلاله يتم تغطية مبلغ عشرة ملايين لعائلة الشهيد فقط، كبدل نقدي أولي كتعويض عن قطعة الأرض والمقدر مبلغها بـ(50) مليون دينار عراقي، وهذا المبلغ لا يسد سوى حصة عشرة آلاف شهيد كبدل نقدي أولي.

شكوى ضد بعض المحافظين
الحسناوي أكد من خلال مناقلات عند الدولة سيتم تخصيص أموال اخرى لسد حقوق بقية الشهداء، وبما أنها مسؤولية تضامنية، يجب أن يكون المجتمع كله داعما وسندا لحقوق الشهداء، لكن للأسف بعض المحافظين يعملون خارج هذا السياق، بحيث أنهم يستثنون أسر الشهداء من توزيع الأراضي ويمنحونها لبقية شرائح المجتمع، وبما أن المحافظ هو رئيس لجنة توزيع الأراضي في محافظته، فهو من يتحمل مسؤولية توزيع الأراضي، نعم أن من حق الدولة والمحافظ توزيع الأراضي للمواطنين، لكون توفير السكن من حق جميع المواطنين، لكن الشهيد أولى من الجميع بهذا الحق، وكان من المفترض من المحافظين وضع نسبة 15 % لشريحة الشهداء مع كل عملية توزيع لقطع الأراضي السكنية، وهناك توجيه من دولة رئيس مجلس الوزراء والمؤسسة للمحافظات بضرورة شمول أسر الشهداء بتوزيع الاراضي، لكن البعض منهم تجاهل هذا الأمر، متناسيا تماما بأنه ونحن لم نجلس على مقاعد المسؤولية، لولا تضحيات ودماء الشهداء الزكية والخالدة، والمؤسسة تعد الآن وثيقة شكوى ضد بعض المحافظين المعروفين لدينا لكونهم تقصدوا تجاهل حقوق الشهداء، والأمة التي لا تحترم شهداءها لا تستحق الحياة، وبين الحسناوي بأن أمر تجاهل حقوق الشهداء لا يقتصر على المحافظات فقط، فهناك بعض الوزارات أيضا مقصرة بحق أسر الشهداء، ومثال ذلك وزارة التجارة لكونها لم تلتزم بقرار استثناء أسر الشهداء التي يبلغ مرتبها التقاعدي أكثر من مليون دينار ونصف المليون دينار من مسألة قطع البطاقة التموينية عنهم، وإلى الآن هي متلكئة بتنفيذ ذلك القرار على جميع الشهداء، فهي شملت شهداء الإرهاب لكن شهداء النظام المباد لم تشملهم الوزارة، بهذا الحق تحت ذريعة عدم وجودهم في سجلات البطاقة التموينية، علما أنهم أعدموا قبل وجود البطاقة التموينية، فما هو ذنبهم حتى لا يشملوا بهذا القرار.

رعاية صحيَّة وعلميَّة
وعن حقوق شهداء النظام المباد وأقرانهم من شهداء الإرهاب والحشد الشعبي، أكد الحسناوي أن شهداء الحشد والنظام المباد لديهم قانون موحد ونافذ لإعطائهم حقوقهم، بينما شهداء الإرهاب لهم قانون خاص بهم، نعم هناك نقاط ضعف في بعض مواد القانونين، لكن هي الآن تحت أنظار مجلس شورى الدولة لمعالجتها، وبالقانونين هي الحقوق الممنوحة نفسها لجميع الشهداء من غير استثناء، فمثلا الجميع مشمول بقطعة الأرض، وكذلك بالنسبة الرعاية العلمية والصحية، ولدينا اتفاقات مع جامعات في دول أخرى من اجل تخفيض مبالغ الدراسة إلى 40 % لابن الشهيد أو شقيقه أو زوجته، وكذلك بالنسبة للجامعات العراقية الأهلية، حيث يصل فيها التخفيض بحدود 50 % من المبلغ المطلوب، وكذلك الرعاية الصحية، حيث تصل فيها نسبة تخفيض المبلغ الى 40 % حتى في مستشفيات الخارج، ناهيك عن الداخل، فضلا عن وجود نسبة معينة لطلبة أسر الشهداء في القبول المركزي في الجامعات العراقيَّة الحكومية من دون المساس بحقوق الطلبة الآخرين وبالاتفاق مع وزارة التعليم العالي.

بعض الدواعش ادرجوا كشهداء
 وردا على سؤالنا أن بعض أسر قتلى داعش ادرجوا ضمن حقوق أسر الشهداء أكد الحسناوي أن هذا الأمر، حصل أثناء تولي المحافظات مسؤولية حقوق شهداء الإرهاب، لكن حين انتقل الملف للمؤسسة اكتشفنا في وجبة من الوجبات (8500) حالة في محافظة الرمادي و( 4000) حالة في محافظة نينوى، وقسم من تلك الحالات من الدواعش، وبعضها حالات تزوير لحوادث سير أو قتل جنائي، وحوادث أخرى، وتم اكتشافها من قبل شعبة التدقيق والمعلومات التابعة للمؤسسة، وهناك ملفات استرداد للمبالغ النقدية المصروفة من قبل الدولة للبعض من هؤلاء بحسب قول الحسناوي. الذي يرى أن المؤسسة لديها خطة جديدة لمعالجة سكن أسر الشهداء، وذلك ببناء مجمعات سكنية كما هو حاصل في بسماية، موضحا أن لدينا عقدين، الأول قيمته (80) مليار دينار، والثاني قيمته (500) مليار دينار لشراء وحدات سكنية جاهزة لأسر الشهداء، ومع ذلك أنها لا تغطي سكن ثلاثة آلاف أسرة فقط، علما أن الأسر، التي تستلم البدل النقدي غير مشمولة بهذا الامر، وتمنّى الحسناوي في نهاية الحوار معه أن تتحمل جميع مؤسسات الدولة أن تقوم بواجباتها اتجاه أسر الشهداء والاستجابة لحقوقهم، التي منحها لهم القانون، لأنها مسؤولية تضامنية لا تقتصر على المؤسسة، لأننا لو لا دماء الشهداء الزكية لم ننعم بهذه الحياة، ونعيش مفرداتها نحن وأسرنا بحسب قوله.

موظفون يستحقون الثناء
الموظف زيد رباح عبد القادر، الذي وجدناه محاطا بالعديد من المواطنين بين لـ(الصباح)، بأن عدد المراجعين للمؤسسة يتراوح يوميا ما بين (450 - 500) مواطن وبمختلف القضايا، وأغلبها كما يبين عبد القادر هي الحصول على مبلغ البدل النقدي كتعويض عن قطعة الأرض، التي خصصتها الدولة للشهداء، والبعض الآخر للحصول على موافقات الرعاية العلمية والصحية لطلبة ومرضى أسر الشهداء، موضحا أن احد المستثمرين الذي رفض ذكر اسمه تبرع بخمسين وحدة سكنية لأسر الشهداء، وآخر باع وحداته السكنية بسعر التكلفة ومع ذلك كما يقول عبد القادر لا تكفي لتلبية جميع الحقوق، والمؤسسة الآن بصدد الحصول على قطع أراضٍ سكنية، والاتفاق مع البنك المركزي العراقي من أجل بنائها واستيفاء تشييدها، اما من الموازنة العامة أو من خلال التقسيط بعيد المدى، مبينا أن المؤسسة لها فروعًا تابعة لها في جميع المحافظات، لتنفيذ حقوق أسر الشهداء بحسب قوله.
المراجعة (نبيهة لعيبي) وهي أم لشهيد كانت تراجع المؤسسة، لغرض تصحيح اسمها، بناءً على الكتاب الموجه، من قبل دائرة كاتب عدل لكون اسمها الحقيقي (نبيهة)، ولكنه ورد في المؤسسة باسم (نبيه)، وهذا ما عرقل تمشية معاملة الحصول على حقوقها كوالدة شهيد، عشرات المراجعين وبمختلف الطلبات، وجميعها تنطوي تحت خيمة نيل حقوق الشهداء، وللأمانة نقولها إن جميع موظفي مؤسسة يستحقون التحية والامتنان للجهد الكبير، الذي يقومون به لخدمة أسر الشهداء.