قليل الشرّ كثير!

الصفحة الاخيرة 2019/05/13
...

 جواد علي كسّار
تشتعل تجمعاتنا الإنسانية ومعها وسائل التواصل، بالأخبار السلبية، ونبدي من أنفسنا تفاعلاً كبيراً، مع المساوئ والسلبيات، عبر نشرها وتعميمها. على سبيل المثال نتلقف بشغف، خبر محاولة انتحار شاب أو شابة في السليمانية أو الديوانية، وكأن الانتحار هو خصلة يتفرّد بها الإنسان العراقي، أو ليس في العراق شيء غير الانتحار!
لا يعرف هؤلاء، أن بعض الإحصائيات العالمية تُشير إلى انتحار يحصل كلّ عشرين ثانية، وان بلدان العالم جميعاً المتقدّم منه والمتخلف، وفي الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، تشهد عمليات الإقدام على الانتحار.
بالانتقال إلى قصص الفساد وأرقامه المهوّلة، يريد لنا هؤلاء أن نصدّق بكلّ الخزعبلات والترهات، التي تُنشر وتُقال، ويتسرّب عدد غير قليل منها إلى وسائل إعلام مرموقة. مثلاً كانت أمي المحترمة تصدّق على عهد الحكومة الأولى للسيد نوري المالكي؛ ان المرحومة والدته اشترت مربعاً سكنياً كاملاً في مدينة كربلاء، وعبثاً حاولتُ إقناعها بأن والدة المالكي ليست على قيد الحياة!
في مرّة من المرّات، رأيتُ وزيراً سابقاً فقد مقعده في السلطة، يصرخ بأعلى صوته من على واحدة من الفضائيات، بأن الفساد هدر في الحكومات المتعاقبة آلاف المليارات، وإذا كان أقلّ الجمع ثلاثة، فيكون أقلّ ما هُدر ثلاثة مليارات دولار!
منشور يتم تداوله بكثرة ودون ملالة، يضع أرقاماً مليارية أمام ساسة العراق وكبار مسؤوليه، على أن إيداعات هؤلاء الساسة في البنوك والمصارف الأجنبية، تصل إلى (583) ملياراً، موزّعة على أسماء الطيف السياسي من الراحل جلال الطالباني ومسعود البارزاني إلى آخر القائمة، والمفجع ان إعلامياً يحمل بطاقة انتماء إلى مؤسّسة إعلامية عراقية عريقة، بعث لي المنشور على الخاص مذيلاً، بعبارة: هل هذا الخبر صحيح؟
انتحار إنسان واحد هو خسارة في الميزان الديني والإنساني، حصل ذلك في العراق أو غيره. والفساد هو الفساد مدان في العراق وغيره، لكن مشكلة هؤلاء الذين يشيعون السلبيات والفواحش، أنهم يعطون انطباعاً بأن العراق مدينة الشيطان، وبقية العالم هو المدينة الفاضلة، وهذا تضليل، فليس العراق مدينة الشيطان، ومن المؤكد ليس هو المدينة الفاضلة، بل فيه من هذا وذاك. على سبيل المثال، بلغت التكلفة السنوية للرشوة في العالم، أكثر من (150) ألف مليار دولار، بحسب مدير عام صندوق النقد الدولي، فلماذا هذا التركيز على العراق وحده؟
لدعاة نشر السلبيات وحقن الجو بالقبائح، عبر النشر وإعادة النشر، أذكرهم ونحن في شهر رمضان،  بالحديث النبوي الشريف: «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها»، كذلك الحديث الشريف: «لا تستقلّ قليل الشرّ» لأن قليله كثير، والحرائق الكبرى تشتعل بصغار الشرر!
السلبية المدمرة والنزوع إلى التشاؤم لا يبني الإنسان، وهذا الولع والافتتان بنشر السلبيات، وإشاعة التثبيط، هو من آلات الدمار العظمى للعمران والبلدان!