مسيحيو العراق.. آصرة الديانات وألق البلد العريق

ريبورتاج 2023/11/15
...

 شروق ماهر

تشهد مدينة الموصل في العراق تغييرًا ديموغرافيًا ملحوظا، يتسبب في تأثير سلبي على المسيحيين والأقليات الأخرى في المنطقة، وأبرز أسباب هذا التغير الحروب والعمليات العسكريَّة، التي خاضتها نينوى ابان سيطرة عصابات داعش الإرهابيَّة، التي كانت تسعى لإنشاء مثل هذا التغيير في المحافظة وسهل نينوى على وجه الخصوص.
وتسبب التغيير الديموغرافي في الموصل بآثارٍ سلبية في المسيحيين والأقليات الأخرى، ما جعلهم يتعرضون لفقدان الأراضي السكنيَّة والزراعيَّة، التي تمتلكها أجيالٌ عدة من الأسر، ما يؤثر في استقرارهم وسبل عيشهم، فضلاً عن ذلك، يعانون من فقدان هويتهم الثقافيَّة والاجتماعيَّة في ظل التغيير الديموغرافي، الذي يهدد بتلاشي تاريخهم
وتراثهم.

مطالبات
القس والأب عماد بولص من طائفة الكاثوليك يقول في حديث لـ(الصباح)، إنَّه "منذ العام 2003، تعرض المسيحيون في الموصل لمحاولات تهجير مستمرة، وتفاقمت هذه المحاولات بعد سيطرة عصابات داعش على المدينة وتهجيرهم بشكلٍ جماعي، ومع استعادة الموصل من قبل القوات العراقيَّة، نلاحظ تواجداً أقل للمسيحيين وتراجعاً في أعدادهم في المنطقة".
وطالب بولص عدداً كبيراً من الأسر المسيحيَّة النازحة في مناطق إقليم كردستان العراق بالعودة إلى مناطقهم داخل مدينة الموصل وسهل نينوى، تحديدًا للحد من هذا النزوح القسري في المحافظة.

دور الحكومة
بينما أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في العديد من زياراته إلى محافظة نينوى وسهل نينوى، واللقاء بمكوناتها، على أنَّ البرنامج الحكومي تضمن تنفيذ مشاريعَ وبرامجَ خدمية وخططٍ اقتصاديَّة؛ للنهوض بواقع مناطق سهل نينوى، بما يعزز أمن المواطنين ويؤكد مبدأ التعايش السلمي في عموم محافظة نينوى.
وشدّد السيد رئيس مجلس الوزراء على أهمية ترسيخ مبدأ المواطنة، التي تحرص الحكومة على اعتماده هويةً ونقطةَ شروع نحو المزيد من العمل المتكامل، الذي يصبّ في خدمة المواطنين، الذين صبروا وواجب إنصافهم وتلبية متطلباتهم، مؤكداً في الوقت نفسه رفضه مبدأ الغلبة، الذي يشتت الجهد الوطني ويعطل أهداف الحكومة في التنمية المجتمعيَّة والاقتصاديَّة، موضحاً أنه لا بديل عن الدولة فهي الضامن لكل أبنائها.
وبيّن السوداني أنه تمّ تشخيص العديد من المشكلات خلال زيارته إلى محافظة نينوى، وستجري معالجتها من خلال فريق المتابعة الحكومي، الذي سيتواجد في المحافظة، ويمنح صلاحيات واسعة من شأنها إزالة العقبات التي تخصّ ملفات عديدة.

داعش والأقليّات
السيدة أم علي الشبكي تقول لـ(الصباح): إنَّ "هذا التغيير الذي طرأ على مدينة الموصل وسهل نينوى تحديداً، والذي طال حتى القرى الشبكيَّة، أثر سلباً في الأقليات المتواجدة في عموم المناطق، التي شهدت الحرب، فهناك أكثر من 20 قرية شبكيَّة تقطن على بعد 10 كم أو 20 كم شمال وشرق الموصل، تمكنت عصابات داعش من تجريف وتدمير هذه القرى، وتخريب معالمها الأثريَّة، وحتى المراقد الدينيَّة المتواجدة في قرى الشبك، فضاعت تلك المعالم وقطنها اليوم آناسٌ ليس لهم علاقة بالطائفة الشبكيَّة أو الكاكائيَّة أيضاً، وتلك الطائفة التي كانت لديها قرى ومناطق تابعة لها طالها هذا التغير، وسكنتها قوميات وطوائف أخرى".
وتبين الشبكي بأنَّ "هناك تذمراً كبيراً من سكان الأقليات، بسبب هذا التغيير في مناطق سكناهم، وتمت مطالبة ومفاتحة أكثر من رئيس وزراء حول إعادة قرى الطوائف والأقليات، وإنهاء هذا التغيير الديموغرافي الذي سببته الأوضاع السياسيَّة والأمنيَّة بالمنطقة، لذلك نجدد مطالبنا بشأن إنهاء هذا التغيير، وعودة مناطقنا وقرانا إلى أصحابها الأصليين، لإعادة هذا التعايش السلمي لكل القوميات والطوائف في محافظة نينوى، التي هي عبارة عن لفيفٍ من السكان بمختلف قومياتهم وطوائفهم كبقيَّة المحافظات العراقيَّة
الأخرى".

هويَّة موصليَّة
المحامي فارس مزوري أكد لـ(الصباح) أنَّ "التغيير الديموغرافي استبعد أسرًا كرديَّة كانت تقطن بعشرات القرى والنواحي منذ العام 1940، وهذه القرى عرفها سكان الموصل ومحافظة نينوى بشكلٍ عام، بأنها قرى كرديَّة قطنت في قرى ونواحي الموصل منذ مئات السنين، لكنَّ هذا التغيير دمَّرَ هويَّة الموصل، وهويَّة الفرد العراقي الأصيل الذي كان يقطن هنا، وأجبرته هذه التغيرات إلى أنْ يقطن في أقضية ومحافظة محايدة لنينوى، بسبب استيلاء أسرٍ أخرى على هذه القرى والنواحي منذ إعلان تحرير الموصل ولغاية الآن".
وطالب مزوري، السلطات المعنيَّة باتخاذ إجراءات فعالة لحماية حقوق الأقليات، ومنع التهجير القسري والاستيلاء غير المشروع على الأراضي التابعة لهم.

1000 أسرة مسيحيَّة
بدوره أكد الأب ثابت عيس، وهو رجل دين مسيحي، أنَّ "التغيير الديموغرافي حدث بسبب التجاوزات على الأراضي الزراعيَّة وتحويل صنف الأرض بدون موافقات رسميَّة داخل سهل نينوى والقرى المسيحيَّة والتي تقطنها أغلب الطوائف المسيحيَّة، وقد شهدت مناطقنا المسيحيَّة ما بعد التحرير بسبب الأحداث التي طرأت على الساحة في هذه المناطق، وليس المسيحيَّة فقط، بل المناطق الشبكيَّة والإيزيديَّة ومناطق الطوائف الأخرى، إلى جانب مطالبات المسيحيين للحكومة المحليَّة بتوزيع الأراضي في المناطق المسيحيَّة، لعدم وجود تغيير ديموغرافي لبعض المناطق، لكن للأسف لا توجد أي
استجابة".
وتابع ثابت أنَّ "هناك اكثر من 1000 أسرة مسيحيَّة من سكان قضاء تلكيف نزحت إلى مناطق عدة داخل إقليم كردستان والمناطق المحايدة للإقليم، وما زالت متواجدة داخل مناطق النزوح ولم تتمكن من العودة إلى مناطقها ومنازلها داخل القضاء، فضلاً عن عددٍ من الأسر المسلمة أيضاً لم تتمكن من العودة، بسبب تدمير وتجريف مناطقهم، ووجود أسر وطوائف أخرى قطنت من غير مناطق إلى داخل القضاء، وهذا أحد أبرز الأسباب التي عززت التغيير الديمغرافي داخل مناطق المسيحيين وغيرهم من الطوائف والقوميات الأخرى داخل محافظة
نينوى".
بينما أكد أحد وجهاء قرية بازاويا العربية الشيخ محمد الشبلي لـ(الصباح)، أنَّه "ينبغي أنْ يكون هناك التزامٌ بتعزيز التعايش السلمي والمساواة بين جميع المكونات الدينيَّة والعرقيَّة في الموصل، ويتطلب ذلك توفير الحماية الكافية للأقليات وتعزيز العدالة والشفافيَّة في عمليات الاستعادة والإعمار، بحيث يتمكن المسيحيون والأقليات الأخرى من العودة إلى منازلهم واستعادة حياتهم بكرامة وأمان".