حديث في المشاريع المتلكئة

اقتصادية 2023/11/16
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي




لماذا تتلكأ أو تتوقف أو تتأخر المشاريع الحكومية، بينما تمضي مشاريع القطاع الخاص من دون توقف في الأعم الأغلب؟..

تشير البيانات المتاحة إلى أن هناك أعدادا غير قليلة ربما يتجاوز عددها الألف مشروع حكومي تعاني من مشاكل، حالت دون المضي في إنجازها وفقا لتوقيتاتها الزمنية، وهذه المشاريع لا تقتصر على قطاع دون غيره، أو على محافظة أو وزارة دون سواها، إذ يكاد المشهد أن يكون عاما، ولو بحثنا في الأسباب لوجدناها متعددة، ولكن بتقديري، فإن السبب الأبرز الذي يقف خلف توقف أغلب المشاريع، يعود إلى التوسع الكبير في إدراج المزيد من المشاريع، أيام الوفرة المالية، ومبرر هذا التوسع الذي يبدو منطقيا إلى حد ما، هو أن كل قطاعات التنمية من دون استثناء كانت متهالكة، وتحتاج إلى المزيد من المشاريع والأموال للنهوض بها، وفي الفترة بين 2010 و2014، أوتي العراق خيرا كثيرا، بعد أن شهدت أسعار النفط ارتفاعا غير مسبوق في معدلاتها، الأمر الذي شجع على التوسع في المشاريع، في قطاعات النقل والاتصالات والمباني والخدمات، والصناعة والزراعة ضمن البرنامجين الاستثماري وتنمية الأقاليم، هذا التوسع أدّى في نهاية المطاف إلى نتائج وخيمة، من بينها اتساع دائرة الفساد الذي يكتنف عمليات التنفيذ، فكانت بعض المشاريع تُحال إلى شركات غير ذات كفاءة، وبالتالي فإن الشركة المنفذة لن تكون قادرة على تنفيذ المشروع، وكان الأسلوب المعتمد يومها هو أسلوب السلفة التشغيلية، البالغة 60 ٪ من قيمة المشروع، وتُسلّم مقدما للمقاول أو الشركة المنفذة، والذي حدث أن بعضا من هذه الشركات تسلمت السلفة، واختفت من المشهد، وبقي المشروع تذروه الرياح!، أما الأمر الآخر الذي نجم عن التوسع، وهو الأخطر بطبيعة الحال، فقد تمثل بالعجز الكامل عن تمويل المشاريع، بعد الأزمة المزدوجة التي ضربت العراق عام 2014 (أزمة داعش، وانخفاض أسعار النفط)، فلم يكن أمام الحكومة أي خيار سوى إيقاف المشاريع، وتوجيه جهودها وقدراتها نحو إدامة زخم الحرب ضد الإرهاب التي كلفت البلد نحو 100 مليار دولار، فصدر القرار 347 لعام 2015، الذي قضى بإيقاف المشاريع، وقد ترتبت على ذلك القرار في ما بعد، تداعيات في غاية الصعوبة، من بينها مستحقات الشركات والمقاولين، التي بلغت زهاء 8 ترليونات دينار، وكان لهذا الأمر نتائج سلبية اجتماعية واقتصادية شديدة التعقيد، ومن تداعيات إيقاف المشاريع أيضا، هي حالة الاندثار الشديد، التي فاقمت وضاعفت كلف إنجاز المشاريع المتلكئة، التي أكلت أكثر من 20 ترليون دينار وربما تحتاج إلى مثل هذا المبلغ أو أقل بقليل لإكمالها، وهي تضم مستشفيات ومدارس وطرقا ومشاريع ماء ومجار وكهرباء، وغيرها، وقد أدى توقفها إلى حدوث ما يعرف بفوات المنفعة، فقد خسر البلد فرصا تنموية مهمة، فأن يتوقف هذا العدد من المشاريع، معناه أننا فقدنا مئات الآلاف من فرص العمل، فضلا عن اتساع فجوات التنمية في مختلف المجالات.

وفي ضوء المشهد المتقدم، فالحل يتطلب إجراء عملية فرز وتصنيف لجميع المشاريع المتلكئة، تأخذ بنظر الاعتبار، نسبة إنجاز المشروع، وحجم الاندثار فيه، وأهميته التنموية، ومستوى الخدمة التي يوفرها للمجتمع، وعدد فرص العمل التي يولدها، ومقدار التخصيصات المالية التي يحتاج إليها، والقدرة التنفيذية للجهة المستفيدة، ويتم تحديد أولويات المشاريع المتلكئة وفقا للمعايير المشار إليها آنفا، مع الإشارة إلى ضرورة الاستفادة من هذا الدرس في التعامل مع المشاريع، مستقبلا، إذ لا ينبغي إدراج أي مشاريع جديدة، إلا بعد أن تُكمل الجهات صاحبة المشاريع التزاماتها المالية، لتدخل في التزامات تعاقدية جديدة،  وإلا ما فائدة أن تكون لدينا آلاف المشاريع،  ولكننا غير قادرين على إنجازها؟.