العنف الانتخابي والتأثير في سلوك الناخبين والمتنافسين
د.ياسين طرار غند
د.تقى نوري جعفر
يعرِّف جيف فيشر العنف الانتخابيَّ بأنه: {أي عمل عشوائي أو منظم يراد به تحديد، تأخير التأثير بأي شكل آخر في العمليَّة الانتخابيَّة من خلال التخويف، خطابات الكراهيَّة، التظليل، تدمير الممتلكات}.
التأثير في سلوك الناخبين
إذاً فالعنف الانتخابي هو عبارة عن أعمال العنف المقصود منها التأثير في سلوك الناخبين، والمتنافسين، والمسؤولين، أو جهاتٍ فاعلة أخرى، أو التأثير في نتيجة الانتخابات من خلال تهديدٍ بأذى لأي فردٍ أو ممتلكاتٍ مشتركة في العمليَّة الانتخابيَّة أو للعمليَّة الانتخابيَّة نفسها أثناء فترة الانتخابات. يلاحظ على أنّ العنف لا يُعَرف فقط بأنَّه يشتمل على الأذى ولكنْ أيضاً التهديد بالأذى كأحد عناصر تعريف العنف الانتخابي. الترهيب والتهديد الشفوي قد يكون فعالاً كالعنف الجسدي الحقيقي في التأثير في سلوك الناخبين والمرشحين للانتخابات بطريقة تفيد الجهة المُهدِدة.
إذ إنَّ الأماكن التي تشهد نزاعاً متواصلاً، أو احتمال العنف كبيراً، يجب التنبّه لعدّة عوامل لحفظ الأمن، كنشر أعدادٍ كبيرة نسبياً من القوات الأمنيَّة بجميع صنوفها، لحماية مكاتب الاقتراع والأفراد. وفي كلّ دورة انتخابيَّة، يجب وضع خططٍ لنقل الموادّ الانتخابيَّة وحفظها بشكلٍ آمن، لا سيّما الأوراق الاقتراعيَّة وصناديق الاقتراع. كما يجب اتّخاذ التدابير الاحتياطيَّة لحماية الوسائل التكنولوجيَّة المستخدمة في العمليَّة الانتخابيَّة للوقاية من أيّ عمليَّة تلاعب أو تزوير.
إنّ احتمالات تفشّي العنف في الفترات الانتخابيَّة تنتجُ عن الأبعاد السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في مجتمعٍ معيّن. في هذا الإطار، من الخطط الفعّالة للتخفيف من العنف، الإنذارات المبكرة، والمراقبة المدنيَّة وجهود الحدّ من العنف، وإرسال عددٍ مناسبٍ من قوى الأمن، والتنسيق بين الوكالات الحكوميَّة، وتوعية العامَّة وغير ذلك.
كما يمكن أنْ تنشبَ أنواعٌ أخرى من العنف التي تستندُ إلى مشاعر العداوة الشخصيَّة أو الشكاوى بين المجموعات السكانيَّة في الفترة الانتخابيَّة، رغم كونها غير مرتبطة بالانتخابات مباشرة. لذا، يجب أنْ تأخذَ الخطط الأمنيَّة بعين الاعتبار مدى احتمال نشوب كلّ نوعٍ من أنواع أعمال العنف، وكيفيَّة الوقاية أو التخفيف منها، أو وضع حدٍّ لها نهائياً في ظلّ احترام الحقوق الأساسيَّة.
وأيضاً ولاحظت هناك ظاهرة خطيرة هو العنف الانتخابي ضد المرأة يهدفُ الى تحقيق ثلاثة أغراض على الأقل وهي: عرقلة مشاركة النساء في الانتخابات ومعاقبتهنَّ على التجرؤ على تحدي النظام الذكوري وإرسال رسالة مفادها أنَّ النساء لا ينتمين الى عالم السياسة بل لهنّ عالمهنَّ الخاص.
وحول أصناف العنف الانتخابي أوضحت أنَّه يتنوع الى العنف الجسدي والنفسي والرمزي، إذ يستهدفُ العنف الجسدي المرأة المعنيَّة مباشرة أو يشملُ أحد أفراد أسرتها ويتمثلُ بالخصوص عمليات الاغتيال والضرب والخطف والاغتصاب، بينما يقومُ العنف النفسي بالخصوص على تهديد المرأة السياسيَّة أو أحد أفراد أسرتها، أما العنف الرمزي فيمارس لتشويه صورة المرأة السياسيَّة بهدف إلغائها من المجال السياسي.
الأسباب التي تؤدي
الى العنف الانتخابي
1 - المناقشات الانتخابيَّة الحادة التي تدفع المنافسين في الانتخابات لاتخاذ مواقف تزيد من الخلافات بين الأحزاب المتنافسة ومن يدعمها، وحملات الأحزاب السياسيَّة غالباً ما تستخدم خطابات حماسيَّة لتشويه سمعة المنافسين.
2 - الأيديولوجيَّة بين الأحزاب المتنافسة وتتصفُ أكثر بزيادة الاختلافات القوميَّة المذهبيَّة والعرقيَّة والجنسيَّة والاختلافات الثقافيَّة والاجتماعيَّة الأخرى.
3 - غياب الإدارة الفعالة في الانتخابات هو عاملٌ مساهمٌ في تكوين العنف الانتخابي. وبشكلٍ عامٍ فإنَّ الديموقراطيات الانتقاليَّة تفتقدُ إلى لجان إدارة للانتخابات قويَّة يمكنها إشاعة الثقة بين المواطنين (والمرشحين) والتي يمكن إئتمانها على إدارة الانتخابات بطريقة نزيهة.
4 - العوامل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة هي أيضاً تلعب دوراً كبيراً في زيادة احتماليَّة حدوث العنف الانتخابي في الديموقراطيات الانتقاليَّة.
5 - غياب التواصل الاجتماعي وخبرة المنافسة السياسيَّة أيضاً يولد العنف الانتخابي. كلٌ من الأحزاب السياسيَّة والمواطنين العاديين في الديموقراطيات الانتقاليَّة لديهم خبرة ضعيفة في سلوك المنافسات الانتخابيَّة وفكرة قبول الهزيمة كنتيجة حيويَّة لهذه العمليات.
استطلاع الكتروني
وأجرى الباحثان استطلاعاً الكترونياً للرأي في المحافظات العراق، إذ كان وقت الاستطلاع في تاريخ (27 / 10 الى 9 / 11 / 2023)، إذ كان عدد المشاركين (1068). ويتضمن عدداً من الأسئلة: السؤال الأول: (هل تقوم بتمزيق صور المرشحين الذين يعدّون خصماً منافساً للمرشح الذي تدعمه؟) فكان (1068) فرداً، كان منهم (644) أجابوا بنعم أي بنسبة (60 %) من مجموع المستجيبين، وكان الذين أجابوا بـ(بكلا) فكان عددهم (424) وبنسبة (40).
السؤال الثاني وهو (هل يقوم أحد أفراد العائلة بالضغط لاختيار مرشحٍ معين؟) فكان منهم (444) أجابوا بنعم أي بنسبة (41 %) من مجموع المستجيبين، وكان الذين أجابوا بـ(بكلا) فكان عددهم (624) وبنسبة (59 %).
السؤال الثالث وهو (هل تمارس العشيرة أساليب ضاغطة لحث أفرادها على اختيار مرشحٍ معين؟) فكان منهم (661) أجابوا بنعم أي بنسبة (61 %) من مجموع المستجيبين، وكان الذين أجابوا بـ(بكلا) فكان عددهم (407) وبنسبة (39 %).
السؤال الرابع وهو (هل تؤيد التنمر على صور النساء المرشحات من دون الالتفات الى مدى كفاءتها؟) فكان منهم (399) أجابوا بنعم؛ أي بنسبة (37 %) من مجموع المستجيبين، وكان الذين أجابوا بـ(لا) فكان عددهم (667) وبنسبة (63 %).
توصيات الباحثين
1 - ضرورة وجود قانونٍ انتخابي عادلٍ وفعالٍ يتفقُ عليه الجميع: حيث تستند نزاهة عمليَّة إدارة الانتخابات، بشكلٍ رئيس، على القانون الانتخابي الذي ينظم عمليَّة الانتخابات في مراحلها المختلفة.
2 - ضرورة تشكيل لجنة القضائيَّة مستقلة ومحايدة: إذ إنَّ وجود سلطة قضائيَّة مستقلة ومحايدة يعدُّ عاملاً مهما وأساسياً من أجل ضمان حريَّة ونزاهة الانتخابات.
3 - إجراء الانتخابات الدوريَّة: وتعني سمة الدوريَّة تطبيق القواعد والإجراءات الانتخابيَّة ذاتها –والمحددة مسبقاً– على جميع الناخبين والمرشحين بشكلٍ دوري ومنتظمٍ وغير متحيزٍ لفئة أو جماعة معينة، ويستندُ هذا المبدأ إلى سمة رئيسة من سمات الديمقراطيَّة وهي أنَّ تقلد المناصب السياسيَّة تُحدد زمنياً بفترات محددة.
4 - تعزيز حريَّة الناخب: إذ لا بُدَّ أنْ يكون كل ناخب حرًا في التـصويت للمرشح الذي يفضله أو لقائمة المرشحين التي يفضلها في أي انتخابـاتٍ لمنـصبٍ عامٍ، ولا يرغم على التصويت لمرشحٍ معينٍ أو لقائمة معينة. وضرورة تحديد أرقام اتصال لدى المواطنين في حال هناك تعرض للضغط الانتخابي للناخبين.
5 - ضمان الرقابة المجتمعيَّة: أي مراقبة أداء الجهات والأفراد المعنيين بإدارة العمليَّة الانتخابيَّة للاطمئنان على أنَّ جميع الإجراءات تسيرُ وفق القانون.
6 - الحد من التدخلات الخارجيَّة: أحد أهم أسباب عدم نزاهة الانتخابات هي التدخلات الخارجيَّة لمصلحة دول وجماعات وأحزاب لها مصالح وأهداف في وصول هذا المرشح أو ذاك، حيث ينبغي الحد من تدخلات الدول والمنظمات الأجنبيَّة ومنع حصول الكتل والأحزاب والأشخاص على المال الخارجي، لأنَّ هذا التدخل من شأنه أنْ يعقدَ العمليَّة الانتخابيَّة ويحرفها عن هدفها في التداول السلمي للسلطة وتحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي.
7 - وسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً في تحديد لهجة العمليَّة الانتخابيَّة ويجب أنْ تستخدمَ كقوة بناءة نحو التوصل إلى عمليَّة انتخابيَّة سلميَّة. إنَّ وسائل الإعلام المحتقن والجاهل يمكن أنْ تشعلَ الصراعات ويجب أنْ يتمَّ اتخاذ عدة خطوات للتأكد من قيام وسائل الإعلام بالتصرف بطريقة مسؤولة خلال العمليَّة الانتخابيَّة.
8 - الحملات التوعويَّة للقضاء على العنف ضد النساء المترشحات والناخبات والمراقبات والملاحظات والإعلاميات خلال هذه الفترة وتهدف الى ندوات توعويَّة.