بروكسل: وكالات
في 26 حزيران 1974، شهد متجر بقالة في تروي، بولاية أوهايو، لحظة تاريخية عندما جرى مسح علبة من علكة "جوسي فروت" عبر نظام البيع، مُعلنةً بذلك أول استخدام للباركود. وفي غضون أشهر، بدأت ملايين المنتجات في المتاجر والمستودعات حول العالم تُسجل باستخدام الباركود، وسرعان ما أصبحت هذه التقنية واحدة من أكثر التقنيات شيوعاً في العالم.
وبحلول العام 2023، تجاوز عدد مسحات الباركود اليومية عدد عمليات البحث في محرك "غوغل"، حيث نرى الباركود في عصرنا الحالي على مختلف المنتجات من الصابون إلى الأقمار الاصطناعية. ولكن، بعد نحو خمسة عقود من الهيمنة، يبدو أنَّ نهاية الباركود قد حانت.
تقوم مبادرة عالمية تحت اسم "صن رايز 2027" Sunrise 2027، والتي تقودها منظمة "جي أس 1" GS1 غير الربحية ومقرها في بلجيكا، وتهدف إلى استبدال الباركودات التقليدية بتقنية أكثر تطوراً وفائدة تُعرف باسم رموز الاستجابة السريعة Quick-Response code. هذه الرموز المربعة المنقطة تمتاز بقدرتها على استيعاب معلومات تزيد بمئة مرة عن تلك التي يمكن للباركود التقليدي تخزينها، ويمكن أنْ تصغر لتصل إلى عشر حجمها الأصلي مع الحفاظ على قابليتها للقراءة بسهولة. وبتحول الباركود من تقنية أحادية الأبعاد إلى ثنائية الأبعاد، فإنها تصبح مفيدة ليس فقط للشركات ولكن أيضاً للمستهلكين.
عند مسحها باستخدام الهاتف الذكي، تقدم رموز الاستجابة السريعة مجموعة متنوعة من المعلومات مثل المحتوى الغذائي، تعليمات إعادة التدوير والغسيل، اقتراحات للوصفات، معلومات عن المواد المسببة للحساسية، فضلاً عن معرفة مصدر المكونات أو البصمة الكربونية للمنتج. كما يمكنها توفير خصومات آلية للمنتجات التي تقترب من تاريخ انتهاء صلاحيتها أو المواسمية. لذا، من المتوقع أنْ تحلَّ رموز الاستجابة السريعة محل الباركودات وحتى الملصقات التقليديَّة في المستقبل القريب.
في حال نجاحه، يُتوقع أنْ يكون التحول إلى استخدام رموز الاستجابة السريعة عملية سهلة وسلسة بالنسبة للعملاء، تشبه التحول من استخدام البطاقات البنكية بالرقم السري إلى الدفع غير التلامسي. ويُطلب من تجار التجزئة تحديث أجهزة الفحص لديهم لتقبل [قراءة] رموز الاستجابة السريعة، وقد بدأ الكثيرون منهم بالفعل في هذا التحديث.
تشير منظمة "جي أس 1" إلى أنَّ الشركات التي تحولت إلى استخدام رموز الاستجابة السريعة تلاحظ تحسناً في إدارة المخزون وزيادة في قدرتها على سحب المنتجات.
يعلق ألفريدو كولاس، نائب رئيس شركة "بروكتر وغامبل" Procter & Gamble، على ذلك قائلاً: "بينما كان الباركود التقليدي أداة فعالة، فإنَّ رموز الاستجابة السريعة ثنائية الأبعاد تتيح لنا تقديم كميات غير محدودة من المعلومات بناءً على الحاجة، ما يسمح لنا بتقديم المعلومات المناسبة في الوقت المناسب لمن يحتاجها".
وكانت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة "سي دي سي" من السباقين في تبني رموز الاستجابة السريعة، حيث أظهرت تجربتها في توزيع اللقاحات فعالية هذه الرموز في تحسين دقة البيانات وضمان سلامة المرضى. توضح التجربة أن الرموز وفرت ما يقرب من 3.44 ثانية لكل جرعة لقاح، ما يعادل توفير ساعات من الوقت خلال أسبوع.
ويشدد ستيوارت مايربيرغ، رئيس فريق دعم أنظمة المعلومات الخاصة بالتطعيمات في مراكز "سي دي سي"، على أهمية هذه التقنية، موضحاً أن المعلومات الدقيقة تعد أساسية لضمان تقديم اللقاح المناسب للشخص المناسب في الوقت المناسب، وتحديد مواعيد الجرعات المقبلة بشكل فعال.
بالنسبة للأجيال التي وُلدت بعد عام 1974، قد يبدو من الصعب تخيل عالم من دون باركودات. فقد كانت هذه الرموز جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، موجودة على كل شيء نشتريه تقريباً، باستثناء القطع الأثرية والتحف العتيقة. وعلى رغم شيوعها، إلا أننا نادراً ما ننتبه لوجودها إلا في حالات محددة مثل استخدام نقاط البيع الذاتية أو عند حدوث خلل يتطلب تدخل العاملين.
على عكس الباركودات التي صُممت لتكون غير ملحوظة بشكل كبير، تسعى رموز الاستجابة السريعة لأن تحظى بالانتباه. تمتلك الهواتف الذكية الحديثة الآن القدرة على قراءة هذه الرموز تلقائياً باستخدام الكاميرا، وأصبحت رموز الاستجابة السريعة تظهر في أماكن بارزة مثل المطاعم والمتاحف، لتقديم معلومات يسهل الوصول إليها واستخدامها.
لكنها ليست مثالية. فقدرتها العالية على تخزين البيانات تجعلها محط اهتمام المجرمين الساعين لاستغلالها لأغراض مالية. الهجمات الإلكترونية التي تستخدم هذه الرموز، المعروفة بـ"الكويشينغ" Quishing أصبحت وسيلة للمحتالين لخداع الأشخاص بإغرائهم لمسح رموز الاستجابة السريعة التي توجههم إلى مواقع مزيفة لسرقة معلوماتهم الشخصية.
واللافت أن التخلي التدريجي عن الباركودات قد يعني أن آخر منتج يجري مسحه سيظل مجهولاً، وقد يكون مجرد علبة أخرى من العلكة. لكن الباركودات، على رغم تراجعها، ستظل جزءاً من تاريخنا وذاكرتنا، مثل عملة قديمة لم تعد مستخدمة، تحمل بين طياتها قصصاً من الماضي.